ويبقون ﴿نِساءَكُمْ﴾ لخدمتهم وليكنّ إماء لهم ﴿وَفِي ذلِكُمْ﴾ القتل واستحياء النّساء ﴿بَلاءٌ﴾ ومحنة شديدة كائنة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ وكبير عليكم.
وقيل : إنّ المراد من البلاء هنا العطاء والنعمة ، والمعنى أنّ في ذلكم الإنجاء نعمة عظيمة عليكم من ربّكم (١) .
﴿وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ
واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ
عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢)﴾
ثمّ ذكر النعمة الثانية بقوله : ﴿وَإِذْ فَرَقْنا﴾ وشققنا ﴿بِكُمُ﴾ ولأجل عبوركم ﴿الْبَحْرَ﴾ الذي يقال له القلزم ، أو اساف ، وفصّلنا فيه اثني عشر مسلكا جافّا ﴿فَأَنْجَيْناكُمْ﴾ من القتل والغرق ﴿وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ وقومه في البحر ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ إلى غرقهم وهلاكهم.
ثمّ ذكر النعمة الثالثة بقوله : ﴿وَ﴾ اذكروا ﴿إِذْ واعَدْنا مُوسى﴾ وأمرناه أن يأتي الميقات ويقف فيه ﴿أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ بأيّامها.
في نكتة تعيين عدد الأربعين للميقات
قيل : وجه تعيين عدد الأربعين ، اختصاصه بالكمال ، لأنّ مراتب الأعداد أربع : الآحاد ، والعشرات ، والمئات ، والالوف ، وعدد العشرة في نفسها عدد كامل ، كما قال الله تعالى : ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ﴾(٢) وإذا ضعّفت العشرة أربع مرّات يكون أربعين ، ففيه كمال فوق كمال (٣) .
فذهب عليهالسلام بأمر ربّه إلى الميعاد واستخلف هارون ، ﴿ثُمَ﴾ بعد ذهابه من بينكم يا بني إسرائيل ﴿اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ إلها ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ وفي غيبته ﴿وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ﴾ على أنفسكم حيث اعتقدتم أنّ ربّكم حلّ في العجل ، وصار العجل حاويا له ، مع أنّه متعال عن أن تسعه السّماوات والأرض ، بل هو على كلّ شيء محيط.
وفي هذه الحكاية تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآله ممّا كان يشاهد من مشركي العرب واليهود والنّصارى من
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ١٣٠.
(٢) البقرة : ٢ / ١٩٦.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ١٣٦ ، وفيه : وإذا ضغّفت العشرة أربع مرات وهو كمال مراتب الأعداد تكون أربعين وهو كمال الكمال.