﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ﴾ وسبط ﴿مَشْرَبَهُمْ﴾ لا يزاحم الآخرين ، وقال الله : ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ﴾ الذي آتاكموه من المنّ والسّلوى ، والماء العذب ﴿وَلا تَعْثَوْا﴾ ولا تعتدوا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ حال كونكم ﴿مُفْسِدِينَ﴾ عاصين لأوامر الله ، أو مفسدين بالمبالغة في التّنازع على قسمة الماء ، فإنّ لكلّ سبط يخرج بقدر حاجتهم من الماء ثمّ ينقطع.
وكان من معجزات نبيّنا صلىاللهعليهوآله أيضا أنّه استسقى لقومه ، روي أنّ أعرابيّا جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله يوم الجمعة ، وقال : يا رسول الله ، هلكت الكراع والمواشي ، وأجدبت الأرض ، فادع الله أن يسقينا. فرفع يديه ودعا ، قال أنس : والسّماء كأنّها زجاجة ليس بها قزعة ، فنشأت سحابة ومطرت إلى الجمعة القابلة (١) .
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا
تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ
الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ
اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)﴾
ثمّ نبّههم على كمال لطفه به بإجابة مسؤولهم مع ما هم عليه من غاية السّفه ، بقوله : ﴿وَ﴾ اذكروا يا بني إسرائيل كفرانكم لنعمة الله ﴿إِذْ قُلْتُمْ﴾ أي قال أسلافكم : ﴿يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ﴾ وغذاء ﴿واحِدٍ﴾ بالنّوع من المنّ والسّلوى ، بل لا بدّ لنا من خلط معه ، أو تبديل. ولعلّه لملالة طباعهم من الطّعام الواحد بسبب مداومتهم عليه ، أو لتوهّم أنّ البقاء على النّهج الواحد موجب لاختلال مزاجهم. والظاهر من قولهم : لن نصبر ، هو الوجه الأوّل.
﴿فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها﴾ كالكرّاث وغيره ، ﴿وَ﴾ من ﴿قِثَّائِها﴾ قيل : هو أخضر (٢) شبه الخيار ﴿وَ﴾ من ﴿فُومِها﴾ عن ( المجمع ) : عن الباقر عليهالسلام : « هو الحنطة » (٣) .
وقيل : هو الثّوم ، بقرينة قوله بعده : ﴿وَعَدَسِها وَبَصَلِها﴾ حيث إنّ العدس يطبخ بالثّوم والبصل.
﴿قالَ﴾ لهم موسى تعجّبا واستنكارا منهم : ﴿أَ تَسْتَبْدِلُونَ﴾ وتعاوضون الطّعام ﴿الَّذِي هُوَ أَدْنى﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ١٤٨.
(٢) في النسخة : خضر.
(٣) مجمع البيان ١ : ٢٥٢.