وعن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « لا تنقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء ، هو الذي لم تلبث (١) الجنّ إذ سمعته أن قالت : ﴿إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾(٢) .
وسيأتي - إن شاء الله - عند تفسير قوله عزوجل : ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾(٣) مزيد بيان لذلك والتعرّض لوجوه إعجازه بمقدار فهمي القاصر.
الطرفة الثانية
في تعريف المعجزة
وأنّ القرآن العظيم معجزة عقلية
المعجزة : هي الأمر الخارق للعادة ، المقرون بالتحدّي السالم عن المعارضة من مدّعي النبوّة عند احتمال صدقه في الدعوى ، وهي قسمان : حسّيّة ؛ كصيرورة العصا ثعبانا ، وإحياء الموتى ، وإطعام الجمع الكثير بالطعام اليسير. وعقليّة : كإعجاز القرآن المجيد.
قيل : كانت معجزات أنبياء بني إسرائيل أكثرها حسّيّة ، لبلادة أممهم ، وقلّة ذكائهم ، بخلاف معجزات نبيّنا صلوات الله عليه وآله فإنّ عمدتها عقليّة لفرط ذكاء أمّته ، وكمال فهمهم ، ولأنّ هذه الشريعة ونبوّة هذا النبيّ باقية دائمة مدى الدهر ، وأحكامه مستمرّة إلى يوم القيامة ، فخصّ نبيّنا بأن أعظم معجزاته عقليّة باقية ليراها ذوو (٤) البصائر قرنا بعد قرن ، كالشمس تجري ما استقرّت الأرضون ودارت السماوات.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « ما من الأنبياء نبيّ إلّا أعطي ما بمثله آمن (٥) البشر ، وإنّما كان الذي أوتيته (٦) وحيا أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا » (٧) .
قال بعض العلماء : إنّ معناه أنّ معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ، فلم يشاهدها إلّا من حضرها ، ومعجزة القرآن مستمرّة إلى يوم القيامة. وخرقه العادة في فصاحته وبلاغته ونظمه واسلوبه وإخباره بالمغبيّات باق إلى آخر الدهر ، فلا يمرّ عصر من الأعصار إلّا ويظهر فيه شيء ممّا أخبر به أنّه
__________________
(١) في تفسير العياشي : لم تكنّه.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٧٥ / ٢ ، والآيتان من سورة الجن : ٧٢ / ١ و٢.
(٣) البقرة : ٢ / ٢٤.
(٤) في النسخة : ذو.
(٥) في صحيح البخاري : ما مثله آمن عليه.
(٦) في صحيح البخاري : أوتيت.
(٧) صحيح البخاري ٦ : ٣١٣ / ٣ ، وزاد فيه : يوم القيامة.