الاختيار ، بل هو تخويف ، كالتخويف بالعذاب الدنيويّ والاخروي ، بل هذا الانقياد كإيمان قوم يونس عليهالسلام لمّا رأوا العذاب.
﴿وَاذْكُرُوا ما فِيهِ﴾ عن ( المجمع ) : عن الصادق عليهالسلام : « واذكروا ما في تركه من العقوبة » (١) .
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ المخالفة ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ يعني تولّى أسلافكم وأعرضوا عمّا في التّوراة وعن الميثاق ﴿مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ العهد الوثيق ، بأن كانوا يخالفون موسى عليهالسلام ويعترضون عليه ويلقونه بكلّ أذى ، حتّى عوقب بعضهم بالخسف ، وبعضهم بالطّاعون ، وبعضهم بالنّار ، مع مشاهدتهم المعجزات الباهرات.
ثمّ فعل متأخّروهم ما فعلوا من تحريف التّوراة ، وقتل الأنبياء ، وعبادة الأصنام ، فلا عجب في إنكارهم ما جاء به محمّد صلىاللهعليهوآله من الكتاب والمعجزات ، وجحودهم لحقّه.
﴿فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ أيّها الحاضرون في هذا العصر ، بإمهالكم للتوبة ، وعدم أخذكم بالعذاب بغتة ﴿لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ الهالكين المغبونين البائعين أنفسهم بنار جهنّم.
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥)
فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)﴾
ثمّ لمزيد تنبّههم بفضل الله عليهم ، نبّههم بقصّة بعض الخاسرين الذين لم يمهلهم الله ، بقوله : ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾ حال ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا﴾ وعصوا ﴿مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ لمّا اصطادوا السّموك فيه ، حيث أخذتهم بغتة ﴿فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً﴾ وكونوا ﴿خاسِئِينَ﴾ صاغرين مطرودين ، وهذا الأمر أمر تكوين لا تكليف ، وقد يعبّر عن الإرادة التكوينيّة في مقام الحكاية بالأمر.
نقل أنّه لمّا أبى المجرمون قبول النّصح ، قال النّاهون : والله لا نساكنكم في قرية واحدة. فقسّموا القرية بجدار وصيّروها بذلك ثنتين ، فلعنهم داود وغضب الله عليهم [ لإصرارهم على المعصية ] ، فمسخوا ليلا. فلمّا أصبح الناهوهن أتوا أبوابها فإذا هي مغلقة لا يسمع منها صوت ، ولا يعلو منها دخان ، فتسوّروا الحيطان ودخلوا فرأوهم قد صار الشبّان قردة ، والشّيوخ خنازير لها أذناب ، يتعاوون (٢) .
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ٢٦٢.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ١٥٦.