ثمّ أشار سبحانه إلى حكمة تلك المسخة بقوله : ﴿فَجَعَلْناها﴾ أي المسخة ﴿نَكالاً﴾ وعقوبة ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْها﴾ من ذنوبهم الموبقات ، أو عبرة للامم ، بأن صارت الامّة الممسوخة عبرة للسّالفة ، حيث أخبر بها أنبياؤهم ، وجعلناها رادعة ﴿وَما خَلْفَها﴾ من الذين شاهدوهم بعد مسخهم ، ومن الّذين يسمعون القضيّة والمسخة من بعدها ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ فهذه العقوبة كانت لهذه المصالح لا للتّشفّي.
﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ
أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ
يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا
ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ
شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي
الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا
يَفْعَلُونَ (٧١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا
اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣)﴾
ثمّ ذكّرهم بنعمة عظيمة اخرى على أسلافهم ، وهي أنّه قتل قتيل فيهم ولم يعلموا قاتله ، ولمّا كانت هذه الواقعة عظيمة عندهم ، وعارا وعزما على أكثرهم ، سألوا موسى عليهالسلام أن يدعو الله فيكشف عن القاتل ، فدعا الله عزوجل ، ثمّ أخبرهم بما حكاه الله تعالى ، بقوله : ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ وتضربوا ببعضها المقتول بين أظهركم ليقوم حيّا ويخبركم بقاتله ﴿قالُوا﴾ إنكارا وتعجيبا : ﴿أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً﴾ وتسخر منّا ؟ كيف يمكن أن يحيا ميت بضرب ميت به ؟
﴿قالَ﴾ موسى عليهالسلام : ﴿أَعُوذُ بِاللهِ﴾ وأستجير به من ﴿أَنْ أَكُونَ مِنَ﴾ زمرة ﴿الْجاهِلِينَ﴾ فإنّ السّخرية من السّفه والجهل ، والافتراء على الله من عمل الجاهل بعظمته وسطوته.
فلمّا علموا أنّهم قد أخطأوا فيما توهّموا من الهزء ﴿قالُوا﴾ يا موسى ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ﴾ ويوضّح ﴿لَنا﴾ أنّ البقرة التي أمرنا بذبحها ﴿ما هِيَ﴾ وما صفتها حتّى تتبيّن لنا ؟ ﴿قالَ﴾ موسى عليهالسلام ،