﴿كَذلِكَ﴾ الإحياء الذي علم به المنكرون للحشر في هذا الميت في الدنيا ﴿يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى﴾ في الآخرة ، وهذا من أتمّ الدلائل على صحّة الحشر والإعادة بعد الموت ، حيث إنّه بضرب الميت بالميت ، إذا حيي الميت (١) ، فبإنزال مطر يكون طبعه طبع النطفة على تراب الأجساد كانت الحياة أولى كما حيي في بدو الخلقة.
فإن قيل : هذا الاستدلال لا يتمّ على المشركين المنكرين للبعث إلّا إذا ثبتت عندهم هذه الواقعة.
قيل : يتمّ بكونها متواترة ، وكونها مدلولة لهذه الآيات الباهرات ، فلا مجال لهم لإنكار وقوعها ، فكان عليهم أن يعترفوا بإحياء جمع كثير من الأوّلين والآخرين بعد علمهم بوقوع إحياء ميت واحد بقدرة الله سبحانه ، ويحتمل أن بعد إحياء الميت قال الله لبني إسرائيل : ﴿كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى﴾ فاستدلّ به على ما حكمت به العقول ، وأخبر به الرّسول من إمكانه ووقوعه ، كما وقع نظير ذلك لإبراهيم عليهالسلام بعد سؤاله ﴿كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى﴾(٢) .
﴿وَيُرِيكُمْ آياتِهِ﴾ الدالّة ، من هذه الآية وغيرها ، على التّوحيد والنبوّة والمعاد ، بل هذه الآية بمنزلة الآيات المتعدّدة لدلالتها على جميع ما ذكر ، أمّا بالنّسبة إلى بني إسرائيل ونبوّة موسى عليهالسلام فواضح ، وأمّا بالنّسبة إلى نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله فلكون إخباره بهذه الواقعة إخبارا بالغيب ، لوضوح كونه امّيّا غير مطّلع على الكتب إلّا بالوحي.
﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وتتفكّرون أنّ من هو قادر على إحياء نفس واحدة ، قادر على إحياء الأنفس الكثيرة ، أو لكي يكمل عقلكم فتعلموا ذلك.
﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ
لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما
يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)﴾
﴿ثُمَّ قَسَتْ﴾ وغلظت ﴿قُلُوبُكُمْ﴾ أيّها اليهود ، حتّى خرجت عن قابليّة التأثّر بمطالعة الآيات والدلائل ، بسبب شدّة العناد واللّجاج ، وغاية التوغّل في الكفر والفساد ، بعد أن كانت قابلة لقبول كلّ
__________________
(١) كذا ، ولعل في العبارة تقديما وتأخيرا ، هكذا : حيث إنه إذا حيي الميت بضرب الميت بالميت ، ....
(٢) البقرة : ٢ / ٢٦٠.