ضعف ، وأوّل المراتب ما يدرك به صانعه ومفزعه والمهيمن عليه ، فيحصل له خضوع وانقياد وخشية من سلب النعمة وانقطاع الفيض عنه ، ويمكن أن يستفاد من الآية أنّ كلّ حجر يسقط من مكان بلا سبب ظاهر ، يكون سقوطه بتأثير خشية الله فيه.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في رواية ، قال : « إنّ أبعد النّاس من الله القلب القاسي » (١) .
وحاصل مدلول الآية ، أنّ الحجر تحرّكه الخشية ، والقلب القاسي لا يتحرّك بالإنذار والتخويف.
﴿وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة من أعمالكم يا معاشر أهل الكتاب ، ويجازيكم عليها ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.
﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ
مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)﴾
ثمّ لمّا كان النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه حريصين على إيمان النّاس خصوصا اليهود ، وهم كانوا في غاية اللجاج مع تلك الحجج الباهرة ، قال الله تعالى تسلية لقلب حبيبه صلىاللهعليهوآله ، وقطعا لطمع المؤمنين في إيمانهم : ﴿أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا﴾ هؤلاء اليهود ﴿لَكُمْ﴾ وينقادوا لدعوتكم ، ويصدّقوكم بقلوبهم ﴿وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ في زمان موسى عليهالسلام ﴿يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ﴾ في طور سيناء ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ ويغيّرونه ﴿مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ﴾ وفهموه ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنّه كلام الله ، وأنّهم كاذبون في تقّولهم ، مع أنّ هؤلاء كانوا خيارهم ، فكيف حال بقيّتهم ! مع أنّهم في اللجاج والعناد لا يقصرون منهم ، بل يزيدون عليهم ، فلا تحزنوا من إصرارهم على الكفر.
روي أنّ فريقا من السّبعين الذين اختارهم موسى عليهالسلام لميقات ربّه ، سمعوا كلام الله حين كلّم موسى عليهالسلام بالطّور ، وما امر به موسى عليهالسلام ، وما نهي عنه ، ثمّ قالوا : سمعنا الله يقول في آخره : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم أن لا تفعلوا فلا بأس (٢) .
فإذا كان أسلافهم بهذه المرتبة من الخباثة والأخلاق الذميمة ، فأخلافهم مماثلون لهم ، ولا يتأتّى منهم إلّا ما أتى من أسلافهم ، فلا يرجى منهم الإيمان بما أنزل الله لدعوتكم.
__________________
(١) سنن الترمذي ٤ : ٦٠٧ / ٢٤١١ ، تفسير روح البيان ١ : ١٦٥.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ١٦٦.