منها ، وبيّن أن كلا منها سبب مستقلّ لاستحقاقه ، بقوله : ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ حيث إنّه سبب لإضلال النّاس ، باق في الدنيا ﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ به من المال الحرام والرئاسة الباطلة ، والمعاصي العظيمة.
﴿وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ
اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ
خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١)﴾
ثمّ أشار سبحانه إلى بعض مفترياتهم الذي صار سببا لجرأتهم على الله بقوله : ﴿وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾ في الآخرة ﴿إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً﴾ قليلة.
قيل : المراد بها الأيّام التي عبد فيها العجل ، وهي سبعة أيّام على قول (١) ، أو أربعون على آخر (٢) .
وقالوا : ثمّ نصير بعدها في النّعمة الدائمة ، فلا ينبغي أن نتحمّل مكروه تبعيّة محمّد وذلّها في الدنيا للاحتراز عن العذاب في الأيّام القليلة التي تفنى وتنقضي.
فردّ الله عليهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد توبيخا لهم وإنكارا عليهم ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً﴾ أنّ عذابكم على الكفر منقطع غير دائم ، فإن اتّخذتم هذا العهد ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ﴾ أبدا ، لأنّ خلف العهد والوعد قبيح لا يصدر من الحكيم إلّا مع الحاجة والضّرورة أو الجهل بقبحه ، وكلّها نقص وعيب ، والذّات القادرة المحيطة بجميع الكائنات مبرّء من جميع النقائص ومستجمع لجميع الكمالات بلا شكّ وريب ، فإن ادّعيتم أنّ الله تعالى عهد إليكم بهذا فأنتم كاذبون.
﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ مفترين ﴿عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ أنّه من الله.
روي أنّهم إذا مضت المدّة عليهم في النّار ، يقول لهم خزنة جهنّم : يا أعداء الله ، ذهب الأجل ، وبقي الأبد (٣) ، فأيقنوا بالخلود.
﴿بَلى﴾ العذاب الدائم ثابت لكم ، حيث إنّ : ﴿مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ وخطيئة ﴿وَأَحاطَتْ بِهِ﴾ واشتملت عليه ﴿خَطِيئَتُهُ﴾ بظلمتها ونكبتها ، واستولت على قلبه ولسانه وجميع جوارحه حتّى
__________________
(١) تفسير الرازي ٣ : ١٤١.
(٢) جوامع الجامع : ١٨ ، الدر المنثور ١ : ٢٠٧.
(٣) أسباب النزول الواحدي : ١٨.