ثمّ أنّه سبحانه لمّا بيّن حال الكفّار في الآخرة بأنّهم أصحاب النّار ، أردفه بذكر حال أهل الإيمان ، بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ من التجنّب عن المعاصي وارتكاب (١) العبادات والواجبات ، حيث إنّ الإيمان الواقعيّ غير منفكّ عن العمل في الجملة ﴿أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ متنعّمون لا يخافون زوال النعمة.
﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي
الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣)﴾
ثم أنّه تعالى بعد ذكر نعمة أخذ الميثاق من بني إسرائيل على العمل بالتوراة إجمالا ، ذكر نعمة أخذ الميثاق على العمل بتمام ما لا بدّ منه في الدّين تفصيلا ، بقوله : ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ والعهد المؤكّد الذي وجب أن يكون جاريا في أخلافهم قرنا بعد قرن ، وفي الامّة المرحومة إلى يوم القيامة ، وهو أمور ، أهمّها وأعظمها أنّه ﴿لا تَعْبُدُونَ﴾ بقلوبكم وجوارحكم ﴿إِلَّا اللهَ﴾ ولا تجعلون له شركاء من الأصنام والشّيطان وهوى النّفس وسائر الخلق.
عن الصادق عليهالسلام : « ما أنعم الله عزوجل على عبد أجلّ من أن لا يكون في قلبه مع الله تعالى غيره » (٢) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من شغلته عبادة الله عن مسألته ، أعطاه أفضل ما يعطى السائلون » (٣) .
في وجوب الاحسان بالوالدين الروحانيين والجسمانيين وحكمته
﴿وَ﴾ تحسنون ﴿بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾ مكافأة عن إنعامهما وإحسانهما ، فإنّ حقّهما بعد حقوق الله ، وحقّ الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين أعظم من حقّ كلّ ذي حقّ ، لأنّهما أصلان في وجود الولد في هذا العالم ، منعمان عليه بالتغذية والتّربية والحفظ عن المحبّة والمودّة ، بلا طمع في أجر وعوض ولا ملال ولا كلال ، ولا يقطعان عنه الإحسان وإن كان مسيئا بهما وعاقّا لهما ، ويؤثرانه على أنفسهما ولو كانت بهما خصاصة ، فحقّ لهما أن يعظّمهما ويطلب رضاهما ، ولا يؤذيهما وإن كانا كافرين.
عن ( الكافي ) : سئل الصادق عليهالسلام : ما هذا الإحسان ؟ قال : « أن تحسن صحبتهما ، وأن لا تكلفّهما أن
__________________
(١) كذا والظاهر وأداء.
(٢) التفسير المنسوب الى الإمام العسكري عليهالسلام : ٣٢٨ / ١٨٢.
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٣٢٧ / ١٧٥.