هذا في حقّ العارف بلسان العرب ، وأمّا غير العارف فتتمّ عليه الحجّة بتصديق أهل اللّسان إعجازه ، كما تمّت الحجّة على بني إسرائيل الجاهلين بعلم السحرة بتصديق السحرة إعجاز العصا ، وعلى الجاهلين بعلم الطبّ بتصديق الأطبّاء إعجاز إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى.
الطرفة الثالثة
في أنّ الكتاب العزيز مع قطع النظر
عن وجوه إعجازه دليل صدق النبي صلىاللهعليهوآله
لا شبهة أنّ الكتاب العزيز مع غضّ النظر عن وجوه إعجازه ، يكون من أقوى دلائل صدق نبيّنا صلىاللهعليهوآله لوجوه ، منها :
[١] - أنّه صلىاللهعليهوآله أعلن في النّاس بصريح كتابه الكريم بأنّ موسى بن عمران عليهالسلام بشّر أمّته بظهوره صلوات الله عليه وبعثته ، وأخبر بعلائمه ونعوته ، وأنّ عيسى بن مريم عليهالسلام بشّر مع ذلك باسمه السامي ، حيث قال في كتابه العزيز : ﴿وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾(١) .
فلو لم يكن نبيّنا صلىاللهعليهوآله صادقا في دعواه ، وعلى حجّة فيما ادّعاه ، ما كانت اليهود والنصارى مع كثرة عددهم ورهبانهم ، وشدّة عداوتهم له صلىاللهعليهوآله ولجاجهم في ملّتهم ، ساكتين عن معارضته مع تمكّنهم من إدحاض حجّته ، وقدرتهم على إبطال دعوته ، ولبادروا إلى تكذيبه ، ولتسارعوا إلى تفضيحه وتنكيبه بأن كانت الأحبار والرهبان لحفظ رياستهم وملّتهم حرّموا على أنفسهم الرّقاد ، وتنادوا بأعلى أصواتهم في البلاد ، وأحضروا الناس في الميعاد ، وأتوا بكتبهم في محضر الحاضر والبادي ، وفتحوها على رؤوس الأشهاد ، وألزموا النبيّ صلىاللهعليهوآله على أن يريهم منها آية فيها اسمه أو نعته ، ويخرج منها عبارة فيها علامته وصفته فيظهر عند ذلك بعجزه ، إفحامه وبهته ، فلم يمكن أن يخضرّ له بعد ذلك عود ، ولم يقم له عمود ، فلمّا لم يظهر تظاهرهم في ردّه - ولو كان لبان - علمنا بثبوت نعوته في كتبهم ، وتيقّنّا بصدقه في إخباره.
إن قيل : قد نطق الكتاب العزيز في عدّة مواضع ، بأنّ اليهود والنصارى حرّفوا الكتابين ، وغيّروا
__________________
(١) الصف : ٦١ / ٦.