علينا قتالهم. قالوا : فلم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنّا نستحيي أن نستذلّ حلفاءنا (١) .
﴿وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ﴾ لأنّ عصيانهم - وهو الكفر - أشّد المعاصي ، ولا ينافي ذلك كون عذاب من هو أكفر منهم (٢) كالدّهريّة أشدّ من عذابهم ، لتفاوت مراتب الأشدّيّة ﴿وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ لأنّ الغفلة ممتنعة عليه ، فبقدرته الكاملة واستحقاقكم الكامل يجازيكم على أعمالكم.
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ (٨٦)﴾
ثمّ أعرض سبحانه عن مخاطبتهم ، وأعلن في النّاس بذمّهم بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ الجماعة المذمّون بغاية الذّمّ ، هم ﴿الَّذِينَ اشْتَرَوُا﴾ واستبدلوا ، واختاروا ﴿الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ ومتاعها الدنيّة الزائلة ﴿بِالْآخِرَةِ﴾ وبعوض نعمها الدائمة ، وآثروا اللذّات الفانية على الجنّة وحظوظها الباقية ﴿فَلا يُخَفَّفُ﴾ إذن ﴿عَنْهُمُ الْعَذابُ﴾ لا كيفيّة ولا مدّة ﴿وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ من أحد ، ولا يعاونون على دفعه.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ
بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ
وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩)﴾
ثمّ ذكّرهم الله نعمة اخرى وكفرانهم لها بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا﴾ وأعطينا ﴿مُوسَى الْكِتابَ﴾ جملة واحدة ﴿وَقَفَّيْنا﴾ وأتبعناه ﴿مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾ يتبع بعضهم بعضا ، والشريعة واحدة إلى زمان
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ١٢٥ ، تفسير روح البيان ١ : ١٧٥.
(٢) كذا ، والقياس : أشدّ كفرا منهم.