بالقلّة العدم (١) .
﴿وَلَمَّا جاءَهُمْ﴾ ونزل على هؤلاء الحاضرين ﴿كِتابٌ﴾ عظيم الشّأن ، وهو القرآن ﴿مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ بشهادة أنّه ﴿مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ﴾ من التّوراة التي بيّن فيها أوصاف محمّد صلىاللهعليهوآله من أنّه نبيّ امّيّ من ولد إسماعيل ، حتّى كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.
﴿وَكانُوا مِنْ قَبْلُ﴾ أن يظهر محمّد صلىاللهعليهوآله بالرسالة ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ من الله ويسألونه الفتح والظفر به ﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وكان الله يجيبهم ويفتح لهم ، أو المراد أنّهم يعرّفون المشركين أنّ الله يبعث منهم نبيّا وقد قرب زمانه ﴿فَلَمَّا جاءَهُمْ﴾ محمّد صلىاللهعليهوآله وهو ﴿ما عَرَفُوا﴾ بنعوته وعلائمه ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ وجحدوا نبوّته حسدا ﴿فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ﴾ به.
﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ
عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ
مُهِينٌ (٩٠)﴾
ثمّ بالغ في ذمّهم وتعييبهم على فعلهم من الكفر بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ﴾ من الهدايا والرئاسة الباطلة ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ وأعرضوا عن النفع الدائم ، ورضوا بالعذاب الدائم لها بعوض متاع الدنيا الفانية.
وقيل : إنّهم لمّا تملّكوا أنفسهم وخلّصوها من تبعيّة النبيّ صلىاللهعليهوآله بعوض كفرهم بنبوّته صلىاللهعليهوآله فكأنّهم اشتروا أنفسهم.
ثمّ إنّه تعالى فسّر ما اشتروا به بقوله : ﴿أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ﴾ من القرآن المستلزم للكفر بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، كما أنّ الإقرار بأنّه من الله إقرار بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله.
ثمّ بيّن أنّ كفرهم لم يكن جهلا وقصورا ، بل كان ﴿بَغْياً﴾ وحسدا على ﴿أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ﴾ نصيبا ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ وهو النبوّة والكتاب ﴿عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ ويختار من بريّته وهو محمّد صلىاللهعليهوآله الذي أبان بالقرآن نبوّته ، وأظهر به آيته.
وعن ( الكافي ) و( العياشي ) : عن الباقر عليهالسلام قال : « بما أنزل الله في عليّ بغيا » (٢) الحديث ، وهذا تاويل
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ١٢٨.
(٢) الكافي ١ : ٣٤٥ / ٢٥ ، تفسير العياشي ١ : ١٤٣ / ١٧٥.