قال : فلمّا انتهى موسى عليهالسلام إلى قومه ورآهم يعبدون العجل ، ألقى الألواح من يده فكسّرت » .
قال أبو جعفر عليهالسلام : « كان ينبغي أن يكون ذلك عند إخبار الله تعالى إيّاه. قال : فعمد موسى عليهالسلام فيرد العجل من أنفه الى طرف ذنبه ، ثمّ أحرقه بالنّار فذرّه في اليمّ. قال : فكان أحدهم ليقع في الماء وما به [ إليه ] من حاجة ، فيتعرّض بذلك للرماد (١) ويشربه ، وهو قول الله تعالى : ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾(٢) .
أقول : ظاهر الرّواية أنّ حبّهم للعجل صار سببا لشربهم من الماء ، ويمكن كون حبّ العجل سببا للشّرب ، ثمّ صار الشّرب سببا لرسوخ حبّه وثباته في قلوبهم.
ثمّ لمّا كان ارتكابهم هذه القبائح مبطلا لادّعائهم الإيمان بالتّوراة وبموسى وشريعته ؛ أمر الله نبيّه بتقريعهم ، بقوله : ﴿قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ﴾ وساء ما يبعثكم إليه ﴿إِيمانُكُمْ﴾ بالتّوراة من فعل هذه القبائح ، ومن الكفر بالله واليوم الآخر وبرسالتي ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بها.
﴿قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ (٩٥)﴾
ثمّ لمّا كان من عقائدهم السّخيفة ودعاويهم الباطلة أنّ الجنّة ونعيمها في الآخرة خالصة لهم ومختصّة بهم لادعائهم أنّهم أولياء الله المخلصون وعباده الصّالحون ، ولذا قالوا : ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً﴾(٣) فردّ الله عليهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمّد : ﴿إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ من جنّتها ونعيمها ﴿عِنْدَ اللهِ خالِصَةً﴾ ومختصة ﴿مِنْ دُونِ﴾ سائر ﴿النَّاسِ﴾ قيل : المراد من النّاس محمّد صلىاللهعليهوآله وأهل بيته وأصحابه (٤) .
﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ الذي به تصلون إليها لقلّة نعم الدنيا بالنّسبة إلى نعم الآخرة ، مع كون نعم الدنيا منغّصة مشوبة بالآلام والمكاره بخلاف نعم الآخرة ، فكلّ من أيقن بفلاحه ونجاحه ، لا بدّ له من أن يشتاق إلى الموت ويتمنّاه ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطّفل
__________________
(١) في النسخة : بذلك إليها.
(٢) تفسير العياشي ١ : ١٤٤ / ١٧٨.
(٣) البقرة : ٢ / ١١١.
(٤) تفسير الصافي ١ : ١٤٨.