الأعمال كما هو مدلول كثير من الأخبار (١) ، أو بثوابه وجزائه.
ثمّ لزيادة التّرغيب على العمل أكدّ ذلك بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ مطّلع ، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فيجازيكم على القليل كما يجازي على الكثير.
﴿وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا
بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ
عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)﴾
ثمّ نقل أنّ وفد نجران لمّا قدموا المدينة اجتمعوا في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله مع اليهود ، فكذّب بعضهم بعضا ، فقالت اليهود لبني نجران : لن يدخل الجنّة إلّا اليهود. وقال بنو نجران [ لليهود ] : لن يدخلها إلّا النّصارى (٢) . فحكى الله عنهم الدّعوى بقوله : ﴿وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى﴾ وإتيان ( كان ) مفردا باعتبار لفظ الموصول وخبره وهو هود ، والنّصارى جمعا باعتبار معنى الموصول وهو جمع ، و( أو ) التّرديديّة بلحاظ اختلاف القائلين ، كما روي في شأن النّزول (٣) .
ولمّا كان دعوى كلّ طائفة مبنيّة (٤) على حقّانيّة دينهم ، ردّ الله عليهم بقوله : ﴿تِلْكَ﴾ المقالة التي يدّعونها ﴿أَمانِيُّهُمْ﴾ وأهواؤهم الباطلة ، ومن جملة مشتهياتهم الزائغة التي لا حجّة لهم عليها.
﴿قُلْ﴾ يا محمّد : ﴿هاتُوا﴾ وأحضروا ﴿بُرْهانَكُمْ﴾ وحجّتكم على دعواكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ فيما تدّعونه.
في عدم صحّة التمسّك بالاستصحاب لإثبات بقاء الشريعة ونبوة النبيّ السابق
إن قيل : برهانكم على اختصاص الجنّة بهم ثبوت حقّانيّة دينهم ، وعدم ثبوت نسخه.
قلت : لا يكفيهم هذا ، بل يجب عليهم إقامة البرهان على بقاء دينهم ، فكما أنّ الشّريعة الجديدة محتاجة إلى البرهان القاطع ، كذلك بقاء الشّرع السابق محتاج إلى الحجّة والدّليل الساطع ، ولا يكفي استصحاب بقاء نبوّة النبيّ السّابق وشريعته ، لأنّ الاستصحاب إن كان حجّة في الشّرع السابق فبقاؤه أوّل الكلام ، وإن كانت حجّيّته في الشّرع اللاحق ، فالمفروض أنّ المتمسّك به لا يعترف بالشّرع الّلاحق ، مع أنّه على فرض حجّيّته في الشّريعتين فإنّما
__________________
(١) راجع : بحار الأنوار ٧٤ : ٤٤ / ٤.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٠٦.
(٣) راجع تفسير الرازي ٤ : ٣.
(٤) في النسخة : مبنيا.