﴿فَلَهُ أَجْرُهُ﴾ وثوابه العظيم الذي أدناه الدّخول في الجنّة حال كونه ثابتا ﴿عِنْدَ رَبِّهِ﴾ اللّطيف به ، المالك لأمره.
﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من انقطاع الثّواب وزوال النّعم وممّا يشاهدون من عقاب الكفّار ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على فائت عند الموت ، حيث يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وهم يقولون ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾(١) وهذه نهاية السّعادة وغاية الاسترباح والاستفادة. وإفراد الضّمير أوّلا باعتبار لفظ الموصول وجمعه (٢) آخرا باعتبار المعنى.
﴿وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى
شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ
بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ
أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ
خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤)﴾
ثمّ أنّه لمّا حكى الله تعالى دعوى اليهود والنّصارى صحّة دينهم ، وكونهم على الحقّ ، واختصاص الجنّة بهم ، وتوافقهم على أنّ المسلمين على الباطل حكى الله تعالى اختلافهم فيما بينهم ، وأنّ كلّ واحد من الفريقين ينسب الآخر إلى الكفر والضّلال من غير تأمّل في كتاب الله الذي بينهم حتّى يرشدهم إلى الحقّ بقوله : ﴿وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ﴾ من دين الحقّ ، بل ما اعتقدوه باطل وكفر. ﴿وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ﴾ من دين الحقّ ، بل هم على كفر وضلال ﴿وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ﴾ الذي أنزله الله لرفع الاختلاف من التّوراة والإنجيل ، ولا يتأمّلون فيهما حقّ التأمّل حتّى يعرفوا الحقّ ويعلموا دين الله بدلالته ، بل ما يقولونه ليس إلا عن تقليد وعصبيّة.
﴿كَذلِكَ﴾ القول الباطل ﴿قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ الدّين والكتاب من المشركين ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ إذ هم أيضا يكفّر بعضهم بعضا ﴿فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ الذي هو يوم فصل القضاء ﴿فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ في الدّنيا بأنّ يدخل جميعهم في النّار ويريهم أنّ الحقّ مع غيرهم ، ويبيّن لهم
__________________
(١) فاطر : ٣٥ / ٣٤.
(٢) في النسخة : وجمعيته.