أولياء الله وأحبّاؤه ، ردّهم بأنّهم أظلم النّاس ، بقوله : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ﴾ وهي مساجد خيار المؤمنين ، أو بلدة مكّة ، أو المسجد الحرام ، أو جميع وجه الأرض لقول النبيّ صلىاللهعليهوآله : « جعلت لي الأرض مسجدا » (١) .
﴿أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها﴾ بالمنع من عبادة الله فيها ، حيث إنّ تعمير المساجد بكثرة العبادة ﴿أُولئِكَ﴾ المانعون عن ذكر الله السّاعون في تخريب بيوت الله ﴿ما كانَ﴾ يحقّ ﴿لَهُمْ﴾ بعدل الله وحكمته ﴿أَنْ يَدْخُلُوها﴾ إن كان المراد بلدة مكّة والمسجد الحرام ، أو يسكنوها ان كان المراد جميع وجه الأرض ﴿إِلَّا خائِفِينَ﴾ من سيوف المؤمنين وسياطهم ، فهو وعد للمؤمنين بالنّصرة واستخلاص المساجد من سلطة الكفّار.
وقيل : إنّ المراد ما كان لهم أن يدخلوها إلّا بخشية وخضوع ، فضلا عن الاجتراء على تخريبها (٢) .
ومع ذلك ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ﴾ فضيع بطردهم عن الحرم ، ومنعهم أن يعودوا إليه ، أو بضرب الجزية في حقّ أهل الذّمّة منهم ، وبالقتل في حقّ أهل الحرب ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ في النّار بما ارتكبوا من الظلم العظيم ، وهو أشدّ من خزي الدنيا ومن كلّ عذاب. روي أن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة.
عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام : « ولقد كان من المنافقين والضعفاء وأشباه المنافقين قصدوا إلى تخريب المساجد بالمدينة وتخريب مساجد الدنيا كلّها بما همّوا [ به ] من قتل عليّ عليهالسلام بالمدينة وقتل رسول الله صلىاللهعليهوآله في طريقهم إلى العقبة » يعني [ في ] غزوة تبوك.
وقيل : إنّ سبب نزول الآية أنّ طيطوس (٣) الرّوميّ ملك النّصارى وأصحابه غزوا بني إسرائيل ، فقتلوا مقاتلتهم ، وسبوا ذراريهم ، وأحرقوا التّوراة ، وأخربوا بيت المقدس ، وقذفوا فيه الجيف ، وذبحوا فيه الخنازير ، ولم يزل خرابا حتّى بناه أهل الإسلام في أيّام عمر بن الخطّاب (٤) .
﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا ذكر المساجد وتخريبها ، أشار إلى إنّه لا ينبغي أن يصير تخريب المساجد أو المنع
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ٣٦١.
(٢) تفسير أبي السعود ١ : ١٤٩ ، تفسير روح البيان ١ : ٢٠٩.
(٣) في تفسير أبي السعود : طيطيوس.
(٤) تفسير أبي السعود ١ : ١٤٩.