ومجيىء الشّجر بأمرك ، وتسبيح الحصاة في كفّك ، وتكلّم الذئب معك ، وإشباع الخلق الكثير بالطعام القليل ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ بالحقائق.
فحاصل الجواب : أنّا قد أيّدنا محمّدا صلىاللهعليهوآله بالآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات ، فإن كنتم طالبين لليقين فقد جاءكم بأزيد ممّا تحتاجون إليه من الدّلالات والبراهين ، وإن كنتم تعنتون فلا يحسن إجابتكم.
﴿إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩)﴾
ثمّ لمّا كثر إصرارهم على الكفر والعناد ، وأغتمّ قلب النبي صلىاللهعليهوآله لذلك ، سلّى سبحانه وتعالى قلب حبيبه حبّا له ، ورحمة عليه ، بقوله : ﴿إِنَّا أَرْسَلْناكَ﴾ إليهم إرسالا مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ أو مصاحبا للكتاب المشتمل على حقائق المعارف ودقائق العلوم ، لتكون أو حال كونك ﴿بَشِيراً﴾ بالثّواب لمن أطاعك ﴿وَنَذِيراً﴾ بالعقاب لمن كفر وعصى ، فليس عليك إتعاب نفسك في ازدياد الدّعوة والمبالغة في التّبليغ ، فإنّه لا مزيد على ما فعلت ، فلا يكثر همّك من إصرارهم على الكفر ، ومكابرتهم للحقّ ، لأنّه ليس عليك تبعة سيّئاتهم.
﴿وَلا تُسْئَلُ﴾ يوم القيامة ﴿عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ﴾ ولا تؤاخذ بعصيانهم وكفرهم ، فإنّ ضررهما راجع إلى أنفسهم لا إليك.
عن الباقر عليهالسلام : « أنّه على النّهي » (١) .
أقول : قرأ به نافع أيضا (٢) ، وعلى هذا يكون نهي النبي صلىاللهعليهوآله عن السؤال لأجل الإشعار بأنّ شدّة عذابهم وسوء حالهم ممّا لا يسعه البيان.
في تغليط ماروته العامة في كفر والدي النبي صلىاللهعليهوآله والاستدلال على براءة آبائه وامهاته من الشرك
ثمّ اعلم أنّ من أغلاط كثير من العامّة أنّ النّهي كان عن سؤال النبي صلىاللهعليهوآله عن حال أبويه حيث رووا أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : « ليت شعري ما فعل أبواي » فنزلت (٣) .
أقول : ليت شعري ، كيف يمكن خفاء كذب هذه الرواية على من له أدنى مرتبة [ من ] الشعور والدراية ، لبداهة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان أعلم الخلق بأنّ الكفّار معذّبون بالنّار ، وكان أعرف النّاس بعقائد أبوية ، فمع اطّلاعه بكفرهما - تعاليا عن ذلك - كيف يجوز
__________________
(١ و٢) . مجمع البيان ١ : ٣٧١.
(٣) تفسير الرازي ٤ : ٣٠ ، تفسير روح البيان ١ : ٢١٦.