عليه إظهار الشّكّ والتّرديد في حالهما في الآخرة بقوله : « ليت شعري ما فعل أبواي ؟ » مع أنّ الأنبياء خصوصا خاتمهم لا بدّ من كونهم منزّهين من كلّ شين ، وأيّ شين أعظم من كفر الأبوين !
مع أنّ الله تعالى أمر خليله إبراهيم عليهالسلام بتطهير بيته الخاصّ بعبادته من لوث المشركين وأرجاس الأوثان للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود ، وكيف يمكن أن لا يطهّر بيتا خصّه بأنوار أنبيائه ونطف أصفيائه من أصلاب الآباء وأرحام الامّهات من دنس الشّرك ورجس الوثنيّة لهم عليهمالسلام مع كونهم أفضل الّراكعين والساجدين (١) والعاكفين !
فآية ﴿طَهِّرْ بَيْتِيَ﴾(٢) دالّة بالفحوى على طهارة آباء الأنبياء وأمّهاتهم من الشّرك ، ونزاهتهم من الكفر ، هذا مضافا إلى دلالة أخبار كثيرة على أنّهم عليهالسلام لم يتولّدوا إلّا من الأصلاب الشامخة الطّاهرة ، والأرحام المقدّسة المطهّرة ، لم تنجّسهم الجاهليّة بأنجاسها (٣) .
﴿وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ
الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠)﴾
ثمّ أنّه لمّا أراد الله راحة قلب حبيبه عن كثرة التّدبير لهداية اليهود والسّعي في دعوتهم إلى الحقّ ، ولم يمكن أن يحصل له الانصراف ما دام له رجاء فيهم ، بالغ سبحانه في إقناط رسوله عن إيمانهم وقطع رجائه في اتّباعهم لدين الحقّ ، بقوله : ﴿وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى﴾ بشيء من
__________________
(١) في النسخة : الركعين والسجدين.
(٢) الحج : ٢٢ / ٢٦.
(٣) ونضيف هنا ما أوردة الشيخ ابن شهر آشوب في ( متشابه القرآن ٢ : ٦٤ ) حول هذه المسألة حيث قال في تفسير قوله تعالى : ( الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) [ الشعراء : ٢٦ / ٢١٨ و٢١٩ ] الثعلبي والواحدي وابن بطة في كتبهم عن عطاء وعكرمة ، عن ابن عباس : يعنى نذيرك من أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتّى أخرجك في هذه الامة ، وما زال يتقلب في أصلاب الأنبياء والصالحين حتّى ولدته امه ، وقد جاء في الخبر : فما زال ينقله من الآباء الأخاير والامهات الطواهر ، وقد من الله عليه بالآباء الطاهرة الساجدة ، ولو عنى شيئا من الأصنام لما منّ عليه ، لأنّ المنّ بالكفر قبيح.
وقوله سبحانه : ﴿وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ﴾ [ التوبة : ٩ / ٨٤ ] يدل على أن آمنة بنت وهب كانت مؤمنة ، لأنه روى مسلم في صحيحه في حديث بريدة : أن النبي صلىاللهعليهوآله أتى إلى رسم قبر وجلس ، وجلس النّاس معه حوله فجعل يحرك رأسه كالمخاطب ، ثم بكى فقيل : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال : هذا قبر آمنة بنت وهب ، وقد استأذنت ربي في زيارة قبر امي فأذن فزوروا القبور تذكركم الموت.