المداراة معهم والإحسان إليهم ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ اليهوديّة وتوافقهم في العقائد الفاسدة ، ومع ذلك كيف تتوقّع أن يتّبعوا ملّتك الحقّ ؟
فإن سألوا منك الدخول في دينهم ﴿قُلْ﴾ ردّا عليهم : ليست اليهوديّة دين الله وهداه ، بل ﴿إِنَّ هُدَى اللهِ﴾ ودينه الذي رضي به وهو الإسلام ﴿هُوَ﴾ حقيق بأن يقال له : ﴿الْهُدى﴾ وطريق مؤدّ إلى رضوان الله ورحمته ، وأمّا اليهوديّة فإنّ أتباعها أتباع الهوى وعين الضّلال ، والله منها بريء.
ثمّ هدّد الله على اتّباعها بقوله : ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ﴾ وأنت أحبّ الخلق إليّ ، وأشرف الممكنات لديّ ﴿أَهْواءَهُمْ﴾ النّفسانيّة وعقائدهم الناشئة عن القوى الشّهوانيّة الّتي سمّوها دين اليهوديّة ﴿بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ بدين الحقّ على الفرض المحال ، يعاقبك الله عليه ، و﴿ما لَكَ مِنَ اللهِ﴾ وبأسه ﴿مِنْ وَلِيٍ﴾ وصديق يشفع لك ﴿وَلا نَصِيرٍ﴾ ومعين يدفع العقاب عنك. وفيه نهاية التّهديد على اتّباع الهوى بعد وضوح الهدى وقيام الحجّة ، كما أنّ في قوله صلىاللهعليهوآله : « لئن عصيت لهويت » (١) . غاية الوعيد للعصاة.
﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ
فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١)﴾
ثمّ إنّه لّما كان مجال أن يقال : إنّ ملّة اليهوديّة هي الهدى لأنّها ممّا جاء به موسى عليهالسلام ، ودلّت عليه التّوراة ، فاليهود آخذون ملّتهم من نبيّ الله وكتابه ، فلا بدّ أن يكون هدى الله ، دفع الله هذا التوهّم بقوله : ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ﴾ المعهود الذي نزل على موسى ، وهم ﴿يَتْلُونَهُ﴾ متدبّرا فيه ويقرأونه متفكّرا في معانية وحقائقه ، وذلك يكون ﴿حَقَّ تِلاوَتِهِ﴾ علموا بدلالته أنّ دين موسى وكتابه منسوخان ، وعرفوا أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله نبيّ ، وكتابه حقّ ، فالإيمان بالتّوراة ملازم للإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآله.
فالذين يؤمنون من أهل الكتاب بمحمّد صلىاللهعليهوآله ﴿أُولئِكَ﴾ الّذين يصدّقون بكتاب التّوراة و﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ويختصّون من بين اليهود باتّباعه ، كبعد الله بن سلّام وأضرابه.
وأمّا من كفر بمحمّد صلىاللهعليهوآله وبكتابه مع دلالة التّوراة على صدقهما ، فهو كافر بكتاب التّوراة ، ومكذّب له ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ﴾ ولا يتّبع ما فيه ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ في صفقتهم ، المغبونون في تجارتهم ،
__________________
(١) الارشاد / للشيخ المفيد ١ : ١٨٢ ، بحار الأنوار ٢٢ : ٤٦٧.