من عندك بمعانيه وحقائقه بعد التّلاوة عليهم ﴿وَ﴾ يعلّمهم ﴿الْحِكْمَةَ﴾ وما تكمل به نفوسهم من المعارف والأخلاق وتمييز الحقّ من الباطل ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ عن الرّذائل والعيوب وسيئّات الأخلاق حتّى يقوموا بطاعتك وعبوديّتك.
﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ﴾ القادر الغالب الذي لا يغلب على ما يريد ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي لا يجهل شيئا ، ولا يفعل على غير صلاح.
﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ
فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما وصف إبراهيم عليهالسلام بكونه إماما ومتّبعا للعالمين ومشرّفا بتشريفات لم يشرّف بها أحد من النبيّين ، وكونه أكمل الموحّدين ، وأسلم المسلمين ، وكان اللازم أن يحكم العقل بوجوب اتّباع مثل هذا النبيّ الكريم والشخص العظيم ، مع أنّ العقل حاكم بمختاره من التّوحيد والتّسليم ، نبّه سبحانه على أنّه لا ينبغي لأحد أن يعرض عن اتّباعه ، بل ينبغي أن يعدّ المعرض في زمرة السّفهاء والمجانين ، بقوله في مقام التعجّب لمن كان أهله : ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ﴾ ويعرض ﴿عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ﴾ وهو التّوحيد والتّسليم ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ﴾ واستخفّ وأمتهن ﴿نَفْسَهُ﴾ إذ كلّ من أعرض عن طريق يرغب فيه العقلاء ويوصل الساعي فيه إلى عزّ الدنيا وشرف الآخرة ، لا ينبغي أن يحسب في زمرة العقلاء ، بل هو أسفه النّاس.
ثمّ العجب من قريش واليهود الذين أعظم مفاخرهم بالانتساب إلى إبراهيم عليهالسلام الذي قال سبحانه في حقّه : ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ﴾ واجتبيناه ﴿فِي الدُّنْيا﴾ إذ جعلناه أمّة قانتا ، ومفخرا ، ومطاعا للأمم العظيمة ﴿وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾(١) .
﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الّذين هم أكرم النّاس منزلة ، وأرفعهم درجة ، إنّهم كيف تركوا ملّته ولم يسلموا لرسول استجاب الله به وببعثته دعوته !
في الاستدلال على النبوّة
ثمّ اعلم أنّ في هذه الآيات وما بعدها حجّة بالغة على اليهود وغيرهم على نبوّته صلىاللهعليهوآله وصدق دعواه ، وأنّه المبعوث من الله للرّسالة ، حيث إنّ دعوة إبراهيم عليهالسلام بأن يبعث
__________________
(١) مريم : ١٩ / ٥٠.