اصْطَفى﴾ واستخلص ﴿لَكُمُ الدِّينَ﴾ المرضيّ له ، وصفوة الأديان الذي اختاره الملائكة والخلّصون من عباده ، بأن نصب الدلائل الظاهرة عليه ، ودعاكم إليه.
ثمّ عيّن ذلك الدّين صريحا ، وأكّد في وجوب الالتزام به بقوله : ﴿فَلا تَمُوتُنَ﴾ في حال من الأحوال ﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ لله ، موحّدون له. والمعنى : لا تفارقوا دين الإسلام في آن ، كي لا يبادركم الموت وأنتم على غيره فيدرككم غاية الخسران.
قيل : في هذه الحكاية دلالة قويّة على أنّ الالتزام بدين الإسلام أهمّ الامور ، حيث أمر إبراهيم عليهالسلام بعنوان الوصيّة ، وهو آكد من الأمر ، وخصّ بها بنيه الّذين كان أشفق عليهم من جميع الخلق ، وما مزج بهذه الوصيّة وصية اخرى ، وعبّر عن حقّانيّته بأنّ الله اصطفاه لكم ، وعمّهم بتلك الوصيّة ، وما قيّدها بزمان دون زمان وحال دون حال ، وزجرهم عن أن يموتوا غير مسلمين (١) .
ثمّ لمّا كان عليهالسلام مشهورا بالفضل والعقل والصّلاح وحسن الطّريقة ومتانة السّيرة ، ومع ذلك اهتمّ بلزوم هذا الدّين نهاية الاهتمام ، عرف أنّه أولى الامور وأحقّها به.
﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي
قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ
لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان وصيّة إبراهيم ويعقوب عليهماالسلام ، بيّن أنّ يعقوب عليهالسلام ما اكتفى بالوصيّة ، بل أخذ من أولاده الإقرار والعهد على الالتزام به بقوله : ﴿أَمْ كُنْتُمْ﴾ قيل : إنّ المراد بل أكنتم أيّها اليهود الحاضرون ، أو معاشر المسلمين ﴿شُهَداءَ﴾ حضّارا ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ وحين احتضر وقرب وفاته ؟ ! والاستفهام على الإنكار ، والمعنى - والله العالم - ما كنتم حاضرين عند يعقوب حين حضرته الوفاة ، بل إن علمتم به فبالوحي.
﴿إِذْ قالَ﴾ حينئذ شفقة ﴿لِبَنِيهِ﴾ وهم كانوا اثني عشر : ﴿ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾ وأيّ شيء تتّخذونه إلها بعد مفارقتي إيّاكم بالموت ؟ ﴿قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ﴾ قيل : عدّ اسماعيل في الآباء لأنّ العمّ صنو الأب ، وبمنزلته في التّعظيم (٢) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٤ : ٧٢.
(٢) تفسير الصافي ١ : ١٧٤.