ثمّ بعد هذا الإقرار الإجمالي صرّحوا بالتّوحيد لاطمئنان قلب يعقوب ، بقولهم : ﴿إِلهاً واحِداً﴾ لا شريك له ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ منقادون.
قيل : إنّ اليهود قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : أ لست تعلم أنّ يعقوب أوصى بنيه باليهوديّة يوم مات ؟ فنزلت (١) . وعلى هذا يمكن أن تكون كلمة ( أم ) وصليّة. والتّقدير : أتدّعون هذا أم كنتم شهداء ؟ يعني أكان أوائلكم شاهدين وأنتم علمتم ذلك ، فما لكم تدّعون على الأنبياء ما هم منه براء ؟
وعن بعض التفاسير : أنّ يعقوب عليهالسلام لمّا دخل مصر ورأى أهلها يعبدون النّيران والأوثان خاف على بنيه الشّرك بعد وفاته ، فوصّاهم بهذه الوصيّة ، وأخذ منهم الإقرار تحريضا لهم على التمسّك بعبادة الله (٢) .
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا
يَعْمَلُونَ (١٣٤)﴾
ثمّ لمّا كان اليهود يفتخرون بآبائهم إبراهيم وإسحاق ، ويرون أنّهم لصلاح آبائهم لا يعذّبون ؛ ردّهم الله تعالى بقوله : ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ﴾ وجماعة ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ ومضت ، حال كونه ﴿لَها ما كَسَبَتْ﴾ وعملت ، لا يرجع إليكم نفع أعمالهم ﴿وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ﴾ من أعمالكم ، لا يرجع إليهم ثوابها ونفعها ﴿وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ولا تؤاخذون به. فلا تفخروا بأوائلكم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهمالسلام اذ لا ينفعكم حسناتكم ، ولا يضرّكم سيّئاتهم.
﴿وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (١٣٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إقامة البراهين على ضلالة اليهود والنّصارى ، بيّن أنّهم مع تلك الحجج القاطعة مصرّون على كفرهم وضلالهم واتّباع المسلمين لهم بقوله : ﴿وَقالُوا﴾ للمسلمين ﴿كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى﴾ يعني قالت اليهود : كونوا هودا ، وقالت النّصارى : كونوا نصارى ، حتّى ﴿تَهْتَدُوا﴾ وتصيبوا طريق الحقّ.
﴿قُلْ﴾ يا محمّد ردّا عليهم : لا نتّبع اليهوديّة والنّصرانيّة ﴿بَلْ﴾ نتّبع ﴿مِلَّةَ إِبْراهِيمَ﴾ حيث كان
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ١٧٤.
(٢) تفسير الرازي ٤ : ٧٦.