﴿وَما أُوتِيَ﴾ من قبل الله ﴿مُوسى﴾ بن عمران من التّوراة ﴿وَعِيسى﴾ بن مريم من الإنجيل ﴿وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ﴾ من الصّحف والمعجزات حال كون جميعها منزلا ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ ونحن ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ بالإيمان بالبعض والكفر بالبعض ، كما أنتم تفرّقون بينهم بالإيمان والتّكذيب ، مع أنّهم سواء في الحجج والآيات الدالّة على صدقهم لو أنتم تقولون : إنّهم متفرّقون في اصول الدّيانات ، ونحن نقول : إنّهم مجتمعون على اصول الإسلام.
﴿وَنَحْنُ﴾ بالله مؤمنون ، و﴿لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ منقادون ، نتّبع ما أمرنا ربّنا ، ولا نتّبع هوى أنفسنا ، فكلّ من ظهرت دلائل صدقه في دعوى النبوّة نصدّقه ونؤمن به ، فلذا نؤمن بمحمّد صلىاللهعليهوآله حيث أظهر المعجزات وأقام الدلائل على صدقه كسائر الأنبياء.
﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا بيّن حقيقة الهدى التي تحكم العقول السّليمة بها ، وهو الإيمان بجميع الكتب السّماويّة وسائر الأنبياء الذين أتوا بالمعجزات الباهرات ، عارض قولهم : ﴿كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا﴾(١) بقوله : ﴿فَإِنْ آمَنُوا﴾ اليهود والنّصارى وسائر الكفّار ﴿بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ﴾ من دين الإسلام وما يشابهه في الصّحة والاستقامة والسّداد ، وأنّى لهم بتحصيل مثل هذا الدّين القويم ! وقيل : معنى مثل ﴿ما آمَنْتُمْ ،﴾ هو ما آمنتم.
﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ إلى طريق الفلاح والنّجاح ، وإن لم يتمكّنوا من تحصيل دين مثله ، فلا بدّ لهم من الإيمان به والانقياد له.
﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ وأعرضوا عن هذا الدّين ، فأعرض عنهم ﴿فَإِنَّما هُمْ﴾ ثابتون مستقرّون ﴿فِي شِقاقٍ﴾ وعناد وكفر ومشاقّة مع الله ورسوله.
ثمّ لمّا كان الشّقاق ممّا يؤدي إلى الجدال والقتال لا محالة ، أردف ذلك بتسلية الرسول صلىاللهعليهوآله وتقوية قلوب المؤمنين بوعد النّصر والغلبة بقوله : ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ﴾ ويدفعهم عنك.
قيل : معنى السّين أنّ ذلك كائن لا محالة ، وإن تاخّر إلى حين (٢) . وفيه دلالة على صحّة النبوّة لإنجاز
__________________
(١) البقرة : ٢ / ١٣٥.
(٢) جوامع الجامع : ٢٧.