هو السّواد ، ولذا قال الله تعالى : ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾(١) .
وروي : أنّ المؤمنين في القيامة غرّ محجّلون (٢) .
وفي رواية : إن عمل خيرا ظهر في قلبه نقطة بيضاء ، ثمّ تزداد حتّى تحيط به ، ومن عمل سوءا ظهر فيه نقطة سوداء (٣) .
ومن الواضح أنّ المراد من السّواد والبياض في الآية والروايات هو النّور والظلمة ، وعلى هذا فالمؤمنون بيض الوجوه في الدنيا والآخرة ، وسيماهم ذلك البياض ، كما أنّ سيماء الكفّار أنّهم سود الوجوه فيهما ، ويعرفان في الآخرة بسيماهما ، وأمّا في الدنيا فلا يرى سيماهما إلّا من له عين البصيرة.
ثمّ لمّا كان النّور من قبل كمال الوجود الذي هو بإفاضة الله تعالى وجوده يضاف البياض والصّبغ الحاصل منه إليه ، وصحّ أن يقال : لذلك البياض : صبغة الله ، كما أنّ ظلمة الكفر والمعاصي من قبل النّفس والماهيّة ، ويصحّ أن يقال : إنّها صبغة النّفس والطبيعة ، حيث إنّ النّفس مبدأ الاحتجاب عن عالم الأنوار ومنشأ الانغمار في الشّهوات والضّلال.
ثمّ إنّه لمّا كان صبغ البياض أحسن الأصباغ ، سيّما إذا كان حاصلا من النّور الذي هو أشرف الموجودات ، خصوصا إذا كان حاصلا من الإيمان والولاية ، أنكر الله سبحانه كون صبغ أحسن منه ، بقوله : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾
ثمّ لمّا كان الإيمان ملازما للقيام بوظائف العبوديّة ، كان قوله : ﴿وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ﴾ بمنزلة الاستدلال على تحقّق صبغ الإيمان فيهم لدلالة التلبّس بشعار العبادة على تنوّر القلب بنور الإيمان ، وصبغ النّفس بأحسن الأصباغ ، فلا يبقى لأحد مجال إنكاره. وكان أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله متمحّضين بالعبادة كما قال الله تعالى : ﴿تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ﴾(٤) فكان دليل صدق دعواهم معهم.
﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ
مُخْلِصُونَ (١٣٩)﴾
__________________
(١) آل عمران : ٣ / ١٠٦.
(٢) سعد السعود : ١٠٩ « نحوه » .
(٣) الكافي ٢ : ٢٠٩ / ٢٠ « نحوه » .
(٤) الفتح : ٤٨ / ٢٩.