الأباطيل ، وكتمان شهادته ، فيعاقبكم عليها أشدّ العقاب ، فكونوا منه على حذر ووجل في جميع الآنات (١) والحالات ، ولا تغترّوا بصالح أعمال آبائكم الأنبياء وحسن سيرتهم ، فإنّ ﴿تِلْكَ﴾ الآباء الكرام ﴿أُمَّةٌ﴾ وجماعة صلحاء ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ ومضت من الدنيا ، يكون ﴿لَها ما كَسَبَتْ﴾ من نفع أعمالها والثّواب الموعود عليها ﴿وَ﴾ يكون ﴿لَكُمْ﴾ في الآخرة ﴿ما كَسَبْتُمْ﴾ من منافع أعمالكم وأجرها وتبعاتها ، فلا نصيب لكم من ثواب أعمالهم بشيء ، كما لا ضرر عليكم من سيّئاتهم إن كانت لهم ﴿وَلا تُسْئَلُونَ﴾ في القيامة ﴿عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في مدّة أعمارهم في الدنيا.
وحاصل الاحتجاج أنّكم يا أهل الكتاب بأيّ حجّة تتمسّكون على دعوى أولويّتكم بفضل الله وكرامته منّا ! فإن تتمسّكوا بأنّكم موحّدون فقد كذبتم ، لبداهة أنّنا موحّدون دونكم ، وإن تتمسّكوا بأنكم أتباع دين إبراهيم عليهالسلام وسائر الأنبياء والصّلحاء بعده فنحن المتّبعون لهم دونكم ، وإن تتمسّكوا بانتسابكم إليهم فليس النّسب موجبا للكرامة عند الله ، ونافعا في القيامة ، كما قال تعالى : ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ﴾(٢) .
حكاية هارون وبهلول
حكي أنّ هارون الرّشيد لمّا انصرف من الحجّ ، أقام بالكوفة أيّاما ، فلمّا خرج وقف بهلول على طريقه وناداه بأعلى صوته : يا هارون - ثلاثا - فقال هارون تعجّبا : من الذي يناديني ؟ فقيل له : بهلول المجنون. فوقف هارون وأمر برفع السّتر - وكان يكلّم النّاس من وراء السّتر - فقال له : ألم تعرفني ؟ قال : بلى أعرفك. فقال : من أنا ؟ قال : أنت الذي لو ظلم أحد في المشرق وأنت في المغرب سألك الله عن ذلك في القيامة. فبكى هارون وقال : كيف ترى حالي ؟ قال : اعرضه على كتاب الله ، وهي : ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾(٣) . قال : وأين أعمالنا ؟ قال : ﴿إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾(٤) قال : وأين قرابتنا من رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ قال : ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ﴾(٥) .
﴿سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)﴾
__________________
(١) كذا ، والظاهر الآناء.
(٢) المؤمنون : ٢٣ / ١٠١.
(٣) الانفطار : ٨٢ / ١٣ و١٤.
(٤) المائدة : ٥ / ٢٧.
(٥) تفسير روح البيان ١ : ٢٤٥.