في تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
عن ( الفقيه ) في رواية : « ثمّ عيّرته اليهود فقالوا : إنّك تابع لقبلتنا. فاغتمّ لذلك غمّا شديدا ، فلمّا كان في بعض اللّيل خرج يقلّب وجهه في آفاق السّماء ، فلمّا أصبح صلّى الغداة ، فلمّا صلّى من الظهر ركعتين جاءه جبرئيل ، فقال له : ﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ﴾ الآية. ثمّ أخذ بيد النبيّ صلىاللهعليهوآله فحوّل وجهه إلى الكعبة ، وحوّل من خلفه وجوههم حتّى قام الرّجال مقام النّساء ، والنّساء مقام الرّجال. فكان أوّل صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة. وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة و[ قد ] صلّى أهله من العصر ركعتين فحوّلوا نحو الكعبة ، فكانت أوّل صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة ، فسمّي ذلك المسجد : مسجد القبلتين » (١) .
وقيل : كان تحويل القبلة في رجب بعد زوال الشّمس قبل قتال بدر بشهرين ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله في مسجد بني سلمة. فسمّي المسجد مسجد القبلتين (٢) .
ثمّ لئلّا لا يتوهّم متوهّم أنّ وجوب التوّجه إلى الكعبة مختصّ ببلد المدينة وبشخص النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه الحاضرين عنده ، عمّم سبحانه وتعالى الخطاب ثانيا بقوله : ﴿وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ﴾ أيّها المسلمون ، وفي أيّ مكان صلّيتم ﴿فَوَلُّوا﴾ وحوّلوا ﴿وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ ونحوه.
ثمّ أنّه تعالى لاطمئنان قلوب المؤمنين بأنّ هذا التّحويل من قبل الله ، أخبرهم بأنّه مكتوب في الكتب السّماويّة ، بقوله : ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾ بقراءتهم في التّوراة والإنجيل [ يعلمون ] أنّ من علائم خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله أنّه يصلّي إلى القبلتين ، والله ﴿لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ﴾ النازل ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ فإذا كان ذلك حالهم ، فلا ينبغي أن تختلج الشّبهة في قلوبكم أيّها المؤمنون ، مع علمكم بصدق نبيّكم بالمعجزات الباهرة.
﴿وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ من اتّباعكم النبيّ صلىاللهعليهوآله وتسليمكم لأمره ، فيجازيكم عليه أحسن جزاء العاملين.
﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ
قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)﴾
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧٨ / ٨٤٣.
(٢) تفسير أبي السعود ١ : ١٧٤.