قلت : يكفي في تعريفه عليهالسلام بيان جملة من صفاته في الكتابين منضمّة إلى معجزاته الباهرات المشهورات في المدينة ونواحيها ، فلم يكن لأهل الكتاب الساكنين فيها مجال للرّيب في أنّه هو النبيّ الموعود ، خصوصا مع التّصريح باسمه محمّد صلىاللهعليهوآله في التّوراة واسمه أحمد في الإنجيل ، مع إخبار جمع من الكهنة بقرب زمان ظهوره ، أو ظهوره (١) .
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً
إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى قرّب أمر تحويل القبلة إلى الأذهان ، ورفع استبعاد تخصيص المسلمين بوجوب التوجّه إلى الكعبة المعظّمة بقوله : ﴿وَلِكُلٍ﴾ من الامم ، ولأيّ ملّة من الملل ﴿وِجْهَةٌ﴾ معيّنة ، وقبلة مختصّة مقرّرة من قبل الله ﴿هُوَ مُوَلِّيها﴾ إيّاهم ، وآمر بالتوجّه والاستقبال إليها كلّهم.
بل قال بعض : إنّ لكلّ طائفة من الملائكة أيضا قبلة خاصّة بهم : العرش قبلة الحملة ، والكرسيّ قبله البررة ، والبيت المعمور قبلة السّفرة (٢) .
وقال آخر : العرش قبلة المقرّبين ، والكرسيّ قبلة الرّوحانيّين ، والبيت المعمور قبلة الكروبيّين ، والحقّ قبلة المتحيّرين ، حيث قال : اينما ﴿تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ وبيت المقدس قبلة الأنبياء والمرسلين ، والكعبة قبلة إبراهيم عليهالسلام وخاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله (٣) . فأمر القبلة راجع إلى الله ، والعبادة والانقياد راجع إلى العباد.
اذا تبيّن ذلك ﴿فَاسْتَبِقُوا﴾ وتسارعوا أيّها المؤمنون إلى ﴿الْخَيْراتِ﴾ والطّاعات وموجبات المثوبات التي منها التزام التوجّه إلى الكعبة والصّلاة إليها.
﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا﴾ وفي أيّ مكان من أطراف العالم تصلّون ﴿يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ ويجمع صلواتكم إلى جهة واحدة وهي الكعبة ، على ما قيل (٤) . أو أينما متّم من البلاد يأت بكم الله إلى المحشر فيجازيكم على أعمالكم.
﴿إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من جمعكم في المحشر ، وجمع أعمالكم وتأدية ما تستحقّون من
__________________
(١) كذا ، والظاهر أو بظهوره.
(٢) تفسير الرازي ٤ : ٩٥.
(٣) تفسير الرازي ٤ : ١٣١.
(٤) تفسير أبي السعود ١ : ١٧٧.