وعن القمي رحمهالله : إنّ ( إلّا ) هاهنا بمعنى ولا (١) .
﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ﴾ ولا تخافوا من طعنهم عليكم ، فإنّه لا يضرّكم شيئا ﴿وَاخْشَوْنِي﴾ في مخالفة امري ، واحذروا عقابي في عدو لكم عمّا ألزمتكم عليه من التّوجه إلى بيتي.
ثمّ ذكر لتحويل القبلة علّة ثانية بقوله : ﴿وَلِأُتِمَ﴾ بالتّحويل ﴿نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ حيث وجّهتكم إلى القبلة الوسط بعد ما أنعمت عليكم بنبيّ وسط ، وجعلتكم امّة وسطا.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « تمام النعمة دخول الجنّة » (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « تمام النعمة الموت على الإسلام » (٣) .
أقول : أتمّ النعم نعمة الولاية ، حيث قال الله تعالى : ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾(٤) والتلازم بين دخول الجنّة والاسلام الحقيقي والولاية واضح ، وأمر القبلة بعض متمّمات النعم.
قيل : إنّ المسلمين كانوا يفتخرون باتّباع إبراهيم عليهالسلام اصولا وفروعا ، فلّما امروا بالتوجّه إلى بيت المقدس حصل الإنكسار والضّعف فيهم والتكدّر في قلوبهم ، ولذلك كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يحبّ التحوّل إلى الكعبة ، فبالتّحويل تمّت النعمة بالنّسبة والإضافة (٥) .
ثمّ ذكر الله تعالى العلّة الثالثة بقوله : ﴿وَلَعَلَّكُمْ﴾ بالاهتداء إلى التّوجّه إلى الكعبة ﴿تَهْتَدُونَ﴾ إلى ما فيه خيركم وصلاحكم وحسن عاقبتكم.
﴿كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي
وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما ذكر أنّ في تغيير القبلة إتمام النعمة ، بيّن أنّه في التماميّة كإرسال الرّسول بقوله : ﴿كَما﴾ أتممنا عليكم النعمة حيث ﴿أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً﴾ عظيم الشأن كائنا ﴿مِنْكُمْ﴾ جنسا ونسبا حتّى يكون لكم شرفا ، وهو ﴿يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا﴾ الدالّة على نبوّته التي هي مبدأ جميع الخيرات الدنيويّة والأخرويّة.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٦٣ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٤.
(٢) كنز العمال ٢ : ١٧ / ٢٩٦٥ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٤.
(٣) تفسير الرازي ٤ : ١٤١ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٤.
(٤) المائدة : ٥ / ٣.
(٥) تفسير الرازي ٤ : ١٤١.