نقل أنّه قيل لموسى بن عمران : يا موسى ، إنّما مثل كتاب أحمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن ، كلّما مخضته أخرجت زبدته.
الطرفة الرابعة
في بيان سرّ نزول القرآن جملة
إلى البيت المعمور في ليلة القدر
قد اتّفقت الأمّة من الخاصّة والعامّة ، وتظافرت بل تواترت نصوصهم على أنّ الكتاب العزيز نزل أوّلا في ليلة القدر مجموعا من اللّوح المحفوظ إلى البيت المعمور الذي يكون في السماء الرابعة ، أو إلى بيت العزّة في سماء الدنيا إلى السّفرة الكرام البررة ، ثمّ نزل به جبرئيل نجوما على خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله في مدّة عشرين ، أو ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين سنة على حسب اختلاف العلماء في مدّة إقامته صلىاللهعليهوآله بمكّة بعد بعثته وقبل هجرته.
وقيل في سرّ إنزاله جملة أوّلا إلى سماء الدنيا أو إلى البيت المعمور : إنّه تفخيم أمر القرآن وأمر النبيّ الذي أنزل إليه ، وذلك لأنّ فيه إعلام سكّان السماوات السبع بأنّ هذا الكتاب آخر الكتب ، منزل على آخر الرسل وخاتمهم لأشرف الأمم ، قد قرّبناه إليهم لننزله عليهم ، ولو لا أنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت وصوله إليهم منجّما بحسب الوقائع لنزّلناه إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله ، ولكنّ الله باين بينه وبينها ، فجعل لهذا النبيّ الكريم الأمرين : إنزاله جملة ، ثم إنزاله مفرّقا ، تشريفا للمنزل عليه.
وقيل : إنّ السّرّ هو تسليمه تبارك وتعالى لهذه الأمّة ما كان أبرز لهم من الحظّ من الرّحمة التي استحقّوها لأجل مبعث محمّد صلىاللهعليهوآله ، وذلك أنّ بعثة محمّد صلىاللهعليهوآله كانت رحمة ، فلمّا خرجت الرحمة وفتح بابها جاءت بمحمّد صلىاللهعليهوآله وبالقرآن معا ، فوضع القرآن ببيت العزّة في السّماء الدنيا ليدخل في حدّ الدنيا ، ووضعت النبوّة في قلب محمّد صلىاللهعليهوآله ، وجاء جبرئيل عليهالسلام بالرسالة ثمّ بالوحي ، كأنّه تعالى أراد أن يسلّم إلى الامّة الرحمة التي كانت حظّها من الله.
وقيل : إنّ السّرّ في نزوله جملة إلى سماء الدنيا ، تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة ، وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم ، ولهذا المعنى أمر الله سبعين ألف ملك أن يشيّعوا سورة