وفيه من الوهن ما لا يخفى ، إذ يكفي في إضافة هذه الامور إليه تعالى على وجه الحقيقة ، إضافة إيجاد أسبابها إليه. وأمّا قوله : إنّ إضافتها بواسطة الأسباب إليه مجاز لا يصار إليه إلّا بعد تعذّر الحقيقة ، فممنوع أشّد المنع ، لوضوح كون إسناد الكتابة التي تحصل بتوسّط القلم إلى الكاتب الشاعر المختار حقيقة عند العرف. نعم ، لو كان الواسطة فاعلا عاقلا مختارا ، أمكن أن يكون الإسناد إلى غير المباشر مجازا ، كإسناد فتح البلد إلى الأمير.
﴿الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى وصف الصّابرين بأنّهم ﴿الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ﴾ ووصلت إليهم ﴿مُصِيبَةٌ﴾ وبليّة وكريهة ﴿قالُوا﴾ تسكينا لقلوبهم ، وتسهيلا لتحمّلها على أنفسهم ﴿إِنَّا﴾ مملوكون ﴿لِلَّهِ﴾ مخلوقون بقدرته ، مقهورون تحت إرادته ، متقلّبون في قبضته بمشيئته ﴿وَإِنَّا﴾ بعد الموت والخروج من هذه الدنيا الفانية ﴿إِلَيْهِ﴾ وإلى حكمه ورحمته وقدرته وسلطانه ﴿راجِعُونَ﴾ كما كنّا قبل ولادتنا ودخولنا في تكفّل الآباء تحت قدرته وسلطنته ، لم يكن لأحد علينا في العوالم السابقة من أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات تصرّف وتدبير وإرادة وتقدير ، بل كنّا نتقلّب وتعيش فيها بالعيش المناسب لها بمشيئته وحكمته وقضائه وقدره.
ففي الجملة الأولى إقرار بالمبدأ ، وفي الثانية : بالمعاد. ولا ريب أنّ معرفتهما من أكمل المسكّنات للقلب عند نزول ما يشقّ عليه تحمّله ، ورؤية ما لا يلائم طبعه ، حيث إنّ العبد إذا عرف أنّه لا وجود له إلّا بإفاضة الله ، ولا إرادة له عند إرادته ، ولا تصرّف له في شيء من أموره ، ولا معرفة له بمصالحه ومفاسده ، وأنّ هذه الحياة الدنيا منقطعة ، ونعمها زائلة ، وأنّه منتقل منها إلى دار الجزاء وعالم البقاء ، رضي برضا الله ، وسلّم الأمر إليه ، وهان عليه جميع ما يرد عليه من البلايا والمكاره.
عن ابن مسعود رضى الله عنه : لئن أخرّ من السّماء أحبّ إليّ من أن أقول في شيء قضاه الله : ليته لم يكن (١) .
وروي أنّه كلّما اشتدّ الأمر على الحسين بن عليّ عليهماالسلام في يوم الطّفّ أشرق وجهه سرورا (٢) . وأنّ حبيب بن مظاهر كان يضحك في ذلك اليوم. فقيل له في ذلك ، فقال : أيّ موضع أحقّ بالسّرور من
__________________
(١) تفسير الرازي ٤ : ١٥٥.
(٢) بحار الأنوار ٤٤ : ٢٩٧ / ٢.