في حكمة تشريع السعي
قيل في حكمة تشريع السّعي : أنّه لمّا اشتدّ العطش على هاجر وابنها إسماعيل ، سعت بين الصّفا والمروة لطلب الماء ، فأغاثها الله بالماء الذي أنبعه من زمزم ، فأمر الله الخلق بالسّعي بين الصّفا والمروة ليتذكّروا هذه القصّة ، ويعلموا أنّ الله وإن كان لا يخلي أولياءه في دار الدّنيا عن المحن والبلايا ، إلّا أنّ فرجه قريب ممّن دعاه ، فإنّه غياث المستغيثين. فانظر إلى حال هاجر وإسماعيل كيف أغاثهما الله ، ثمّ جعل أفعالهما طاعة لجميع المكلّفين إلى يوم القيامة ليعلموا أنّ الله لا يضيع أجر المحسنين.
وقيل : إنّ ذلك تحقيق لما أخبر الله تعالى به قبل ذلك من أنّه يبتلي عباده بشيء من الخوف والجوع إلى آخره ، فمن صبر على ذلك نال السّعادة في الدّارين ، وفاز بالمقصد الأعلى في المنزلين (١).
عن الصادق عليهالسلام : « جعل السّعي بين الصّفا والمروة مذلّة للجبارين » (٢) .
قيل : في إيراد التطّوّف الذي هو من باب التفعّل إشعار بأنّ من حقّ السّاعي أن يتحمّل الكلفة في السّعي ويبذل جهده فيه (٣) .
﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ﴾ وتبرّع بفعل المستحبّات أو أتى بالطّوع والرّغبة عملا ﴿خَيْراً﴾ من الخيرات من السّعي الزائد على القدر الواجب ، أو غيره من سائر الصّالحات ﴿فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ﴾ له ، مجاز على عمله. وفي التعبير عن الجزاء بالشّكر اشعار بكمال اللّطف بعبيده ﴿عَلِيمٌ﴾ بعمله وحسن نيّته ومقدار جزائه ، فلا يمكن أن يبخس منه شيئا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي
الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما بيّن عدّة من الأحكام ، حذّر النّاس عن كتمانها وكتمان كلّ حقّ بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ ويخفون عن تعمّد وعناد ﴿ما أَنْزَلْنا مِنَ﴾ الآيات ﴿الْبَيِّناتِ وَ﴾ البراهين الموضّحات لأمر محمّد صلىاللهعليهوآله وصحّة دينه ، ومن ﴿الْهُدى﴾ والرّشاد إلى كلّ حقّ وصواب.
__________________
(١) تفسير الرازي ٤ : ١٥٨.
(٢) الكافي ٤ : ٤٣٤ / ٥.
(٣) تفسير أبي السعود ١ : ١٨١ ، تفسير روح البيان ١ : ٢٦٣.