وقيل : إنّ المراد بالنّاس في الآية المؤمنون منهم لأنّهم المنتفعون بالإنسانيّة ، وأمّا الكفّار فهم كالأنعام بل هم أضلّ (١) ، فاللّعنة محيطة بهم حال كونهم ﴿خالِدِينَ﴾ ودائمين ﴿فِيها﴾ لا خلاص لهم منها ، فلازم دوام اللّعنة عليهم أنّه ﴿لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ﴾ كيفيّة ولا يهوّن عليهم ساعة ﴿وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ ويمهلون لحظة.
وقيل : إنّ المراد أنّه لا ينظر إليهم ربّهم نظر الرّحمة (٢) .
﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)﴾
ثمّ أنّه لمّا كان الشّرك ساريا في اليهود والنّصارى وغيرهم من العرب ، دعا الله تعالى جميعهم بعد محاجّتهم في النبوّة إلى التّوحيد الخالص بقوله : ﴿وَإِلهُكُمْ﴾ ومعبودكم أو مفزعكم أيّها النّاس ﴿إِلهٌ واحِدٌ﴾ ومفزع أو معبود فارد لا تعدّد له حتّى تباينوا في المقصد وتتشعّبوا في المسلك.
ثمّ قرّر وحدانيّته وأكّدها بقوله : ﴿لا إِلهَ﴾ موجود ومتصوّر ﴿إِلَّا هُوَ﴾ فلا تعبدوا إلّا إيّاه ، ولا ترجوا ولا تخافوا ما سواه.
وفي الإتيان بضمير الغائب إشعار بأنّه تعالى من غاية إبهام ذاته وكنه صفاته ، يكون غيب الغيوب وحقيقته من العقول والأوهام مستورا ومحجوبا ، لا تدركه الأبصار والقلوب ، وهو يدرك الأبصار والألباب ، ليس له دون خلقه ستر ولا حجاب ، محيط بذرّات الكائنات ، قيّوم على جميع الممكنات ، فهو بذاته مع قطع النّظر عن نعمه مستحقّ لأن يعبده جميع الموجودات.
ثمّ أضاف إلى استحقاقه الذاتيّ استحقاقه الصّفاتيّ بقوله : ﴿الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ﴾ المولى بجميع النعم ، اصولها وفروعها ، حيث إنّ جميع ما سواه إمّا نعمة وإمّا منعم عليه من فضله ورحمته ، فلا يستحقّ غيره العبادة.
روي عن أسماء بنت يزيد أنّها قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنّ في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم : ﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ﴾ و﴿اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ*﴾(٣) .
ثمّ أنّه روي أنّه : لمّا قدم النبيّ صلىاللهعليهوآله المدينة ، نزلت عليه آية : ﴿إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ﴾ فسمع [ كفّار ]
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٦٥.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٦٥.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٢٦٧ والآية من سورة البقرة : ٢ / ٢٥٥ ، وآل عمران : ٣ / ٢.