فائدة لا تتمّ إلّا بسائر الرّياح.
وأمّا القسم الخامس فهو الرّيح العقيم التي أهلك الله بها عادا ، وهي من آيات غضبه تعالى. عن ابن عبّاس ، قال : أعظم جنود الله الرّيح والماء (١) .
﴿وَ﴾ في ﴿السَّحابِ الْمُسَخَّرِ﴾ المذلّل تحت إرادته وأمره ﴿بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ فإنّه لا يمسكه مع ثقله بحمل الماء عن السّقوط على الأرض إلّا إرادة الله ، ولا يسوقه من بلد إلى بلد إلّا أمره ، فلو انقطع عن بلد عظم الضّرر بسبب القحط وفقد العشب والزّرع والثّمار ، ولو دام وقوفه عليه عظم الضّرر بسبب استتار ضوء الشّمس وكثرة الأمطار ، فهو مسخّر تحت حكم الله يأتي به وقت الحاجة ويردّه عند زوالها.
في بيان وجه دلالة الآيات الثمانية على وجوده تعالى وقدرته وإرادته وحكمته وتوحيده ووجوب عبادته
ثمّ لمّا كان كلّ واحد من الامور الثّمانية آية عظيمة ودلالة واضحة على وجود الصّانع الواحد القادر المدبّر الحكيم ووجوب طاعته وعبادته ، قال : ﴿لَآياتٍ﴾ بيّنات ودلائل واضحات نافعات ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ دلالتها ، ويتفكّرون فيها بالإدراك السّليم والفهم المستقيم.
أمّا دلالتها على وجوده تعالى وقدرته ، فبأنّه لمّا كان امتناع حدوث الحادث من غير علّة من البديهيّات ، كان حدوث هذه الموجودات بعد عدمها دليلا على وجود موجد قادر لها.
وأمّا دلالتها على اختياره وإرادته ، فبأنّه لو كان المؤثّر موجبا لدام الأثر ، فتغيير الأثر دليل على كون المؤثّر مريدا مختارا.
وأمّا دلالتها على حكمته تعالى ، فبظهور كون وجود هذه الموجودات وتغييراتها على وفق الحكمة والصّلاح.
وأمّا دلالتها على وحدانيّته تعالى ، فبكون جميع امورها على نحو الاتّساق والانتظام ، ولو كان موجدها والمتصرّف فيها متعدّدا لاختلّ نظامها.
وأمّا دلالتها على وجوب شكره وعبادته ، فبأنّ كلّ واحد منها نعمة عظيمة ، ووجوب شكر المنعم من ضروريّات العقل ، ومن شكره طاعته وعبادته. وإنّما خصّ الآيات بالعقلاء لكونهم المنتفعين بها دون غيرهم ، كما أنّ ذوي الأمزجة الصحيحة والحواسّ غير العليلة مختصّون بالانتفاع بالأطعمة
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٦٨.