وانتفعوا ﴿مِمَّا فِي الْأَرْضِ﴾ من النعم ، حال كونها ﴿حَلالاً﴾ ومباحا لكم ، ليس من الله عقدة الحظر والحرمة ﴿طَيِّباً﴾ لذيذا أو طاهرا من كلّ شبهة.
﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ ولا تطأوا على عقبه ولا تقتدوا به ، ثمّ علّل النّهي بقوله : ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ ظاهر العداوة عند من له بصيرة نافذة ، فلا تتعدّوا عن الحلال إلى ما يدعوكم إليه الشّيطان من الحرام.
عن ابن عبّاس : نزلت الآية في الذين حرّموا على أنفسهم السّوائب والوصائل والبحائر (١) ، وهم قوم من ثقيف وبني عامر بن صعصعة وخزاعة وبني مدلج (٢) .
ثمّ ذكر الله تفصيل عداوة الشّيطان بقوله : ﴿إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ﴾ ويدعوكم إلى المعصية ﴿وَالْفَحْشاءِ﴾ قيل : هو أقبح أنواع المعاصي ، ولذا يقال للزّنا فاحشة (٣) .
﴿وَأَنْ تَقُولُوا﴾ وتفتروا ﴿عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ أنّ الله قاله وأمر به ، وهو أقبح من الفحشاء ، فيدخل في الآية الصّغائر والكبائر والشّرك والبدعة في الدّين.
عن ( الكافي ) عن الصادق عليهالسلام : « إيّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك ؛ إيّاك أن تفتي النّاس برأيك ، أو تدين بما لا تعلم » (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عن حقّ الله على العباد ، قال : « أن يقولوا ما يعلمون ، ويقفوا عند ما لا يعلمون » (٥) .
﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَلَوْ كانَ
آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إباحة نعمه الطيّبة لجميع خلقه ، التي هي موجبة لتوحيده وعبادته ، ونهيه عن اتّباع الشيطان ، أخذ في ذمّ المشركين الذين هم أخصّ النّاس باتّباعه ، وبيّن نهاية حمقهم ، بقوله : ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ﴾ وعظا ونصحا ﴿اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ﴾ في كتابه وعلى لسان رسوله من العقائد الحقّة والأعمال الحسنة.
__________________
(١) السائبة : الناقة التي كانت تسيّب في الجاهلية لنذر ونحوه ، والوصيلة في الجاهلية : النّاقة التي وصلت بين عشرة أبطن ، والبحيرة : الناقة كانت في الجاهلية إذا ولدت خمسة أبطن شقّوا أذنها.
(٢) تفسير الرازي ٥ : ٢.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٢٧٢.
(٤) الكافي ١ : ٣٣ / ٢ ، تفسير الصافي ١ : ١٩٢.
(٥) الكافي ١ : ٣٤ / ٧ ، تفسير الصافي ١ : ١٩٢.