وقيل : إنّ المراد أنّ مثل داعيهم كمثل داعي البهائم (١) . حيث إنّها لا تسمع إلّا الصّوت ولا تدرك المراد من الألفاظ ومداليلها ، فكأنّهم ﴿صُمٌ﴾ لا يسمعون الكلام أصلا ﴿بُكْمٌ﴾ لا يقدرون على إجابة الدّاعي ﴿عُمْيٌ﴾ لا يبصرون الطّريق حتّى يحضروا عند الدّاعي.
وحاصل المراد - والله أعلم - أنّهم لشدّة إعراضهم عن الدلائل والمعجزات ؛ كأنّهم لا يشاهدونها ولا يدركونها بالحواسّ.
ثمّ بيّن أنّ عدم تأثير الدّعوة والبراهين في قلوبهم ، لقلّة إدراكهم ، بقوله : ﴿فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ البرهان ولا يدركون الحقّ بنور العقل.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ترخيص عموم النّاس بالانتفاع من النّعم التي خلقها في الأرض ، وجّه الخطاب إلى خصوص المؤمنين ، تشريفا لهم ولطفا بهم ، وخصّهم بالدّعوة إلى طيّبات نعمه والأرشاد إلى شكرها بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا﴾ وتمتّعوا ﴿مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ ومستلذّات ما أنعمنا عليكم ، فانّها مباحة لكم ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ على إنعامها وإحلالها ، واثنوا عليه ، واعملوا بمرضاته ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وله بالعبوديّة تقرّون ، وبالالهيّة تؤمنون ، وبنعمه تذعنون حيث إنّ عبادته لا تتمّ إلّا بالشكر.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « يقول الله تعالى : إنّي والجنّ والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري » (٢) .
في بيان جملة من المأكولات والمشروبات المحرّمة والمحلّلة
عن الحسن (٣) بن عليّ بن شعبة ، عن الصادق عليهالسلام في حديث : « وأمّا ما يحلّ للإنسان أكله ممّا أخرجت الأرض فثلاثة صنوف من الأغذية : صنف منها جميع الحبّ كلّه من الحنطة والشّعير والأرزّ والحمّص وغير ذلك من صنوف الحبّ وصنوف
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ١٩٣.
(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٠ ، تفسير أبي السعود ١ : ١٩٠.
(٣) في النسخة : الحسين ، راجع : نوابغ الرواة : ٩٣.