وقيل : إنّ المراد بتزكيتهم المدح والثّناء عليهم ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ وعقوبة موجعة بالنّار.
﴿أُولئِكَ﴾ البعيدون عن العقل والإدراك هم ﴿الَّذِينَ﴾ من شدّة حمقهم وخبث ذاتهم ﴿اشْتَرَوُا﴾ واختاروا لأنفسهم ﴿الضَّلالَةَ﴾ والجهل واستبدلوها ﴿بِالْهُدى﴾ والعلم بالحقّ في الدّنيا ، حيث إنّهم مع حصوله لهم ووضوح صدق النبيّ صلىاللهعليهوآله وصحّة دين الإسلام عندهم ، ادّعوا الجهل واختاروا الكفر ، فكأنّهم رفعوا اليد عن الهداية الحاصلة ، وأخذوا الضّلالة بدلا منها. وهذا العمل الشّنيع لا يمكن أن يصدر ممّن شمّ رائحة العقل ، ﴿وَ﴾ اشتروا ﴿الْعَذابَ﴾ الأبدي ﴿بِالْمَغْفِرَةِ﴾ والرّحمة الدائمة في الآخرة ، وذلك غاية الخسارة. فإذن ينبغي أن يقال تعجّبا : ﴿فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ !﴾ وما أجرأهم عليها ، وكلمة التعجّب كناية عن استعظام الأمر.
عن ( الكافي ) و( العياشي ) : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النّار (١) .
﴿ذلِكَ﴾ العذاب معلّل ﴿بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ﴾ المجيد والقرآن الحميد حال كونه مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ وشواهد الصّدق ، وهم مع وضوح أمره عندهم اتّفقوا على رفضه وتكذيبه ، واختلفوا في وجهه ، فقال بعض : إنّه سحر ، وبعض : إنّه كهانة ، وبعض : إنّه شعر ، وبعض : إنّه أساطير.
﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا﴾ في أقاويلهم ﴿فِي الْكِتابِ﴾ العزيز بالله ﴿لَفِي شِقاقٍ﴾ وعناد ﴿بَعِيدٍ﴾ عن الصّواب ، أو لفي خلاف بعيد عن الاجتماع على الحقّ.
﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي
الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ
الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا ذكر إصرارهم على الضّلال وثباتهم على معاندة الحقّ ، وكان من ضلالة اليهود والنّصارى أنّهم يكثرون الخوض في أمر تحويل القبلة إلى الكعبة ، وكان كلّ منهم يقول : إنّ البرّ هو التوجّه إلى قبلتنا ؛ فردّ الله عليهم بقوله : ﴿لَيْسَ الْبِرَّ﴾ والطّاعة التي تنالون بها رضا الله وغفرانه ،
__________________
(١) الكافي ٢ : ٢٠٦ / ٢ ، تفسير العياشي ١ : ١٧٨ / ٢٦٣.