النبيّ صلىاللهعليهوآله : « لا اعافي أحدا قتل بعد أخذه الدّية » (١) .
ثمّ أشار سبحانه إلى حكمة حكم القصاص وغايته ، بقوله : ﴿وَلَكُمْ﴾ أيّها النّاس ﴿فِي الْقِصاصِ﴾ من الجاني ﴿حَياةٌ﴾ عظيمة. وفي هذا الكلام من كمال الفصاحة ما لا يخفى ، حيث إنّ حكم القصاص الذي هو موجب لتفويت الحياة جعل ظرفا ومقرّا لها.
قيل : إنّ العرب كانوا يقتلون بالواحد جماعة ، وبالمقتول غير القاتل ، فكانت تقع الفتنة ويكثر القتل ، فبهذا الحكم سلم النّاس من القتل ، وحصل الارتداع عنه ، فسلم النّفسان لخوف القود ، بل النفوس الكثيرة.
وعن ( الأمالي ) : عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « أربعة قلت فأنزل الله تصديقي في كتابه - وعدّ منها - قلت : القتل يقّل القتل ، فأنزل الله تعالى ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ﴾(٢) .
﴿يا أُولِي الْأَلْبابِ﴾ والعقول. قيل : في ندائهم إشعار بكمال حكمة الحكم من حفظ النّفوس واستبقاء الأرواح (٣)﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ القتل ، أو المراد : لكي تعملوا عمل أهل التّقوى ، فإنّ من أعظم حقوق النّاس الدّماء. وفي رواية : أنّها أوّل ما يحاسب به (٤) .
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ
عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً
فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)﴾
ثمّ شرع في بيان حكم آخر منها ، بقوله : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ وظهر لنفس أماراته ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْراً﴾ أو مالا قليلا أو كثيرا ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ ممّن يرث وممّن لا يرث ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ والمستحسن في الشّرع والعقل ، وذلك يحقّ ﴿حَقًّا﴾ ثابتا ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ وهم الّذين اتّخذوا التّقوى طريقة ومذهبا لأنفسهم فيشمل عامّة المؤمنين ، فدلّت الآية بظاهرها على وجوب الوصيّة للأرحام ، ويؤيّده ما روي عن الصادق عليهالسلام عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليهماالسلام قال : « من
__________________
(١) تفسير الرازي ٥ : ٥٥.
(٢) أمالي الطوسي : ٤٩٤ / ١٠٨٢.
(٣) كنز العرفان ٢ : ٣٥٨.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ٢٨٦.