وفي بعض الرّوايات : تفسير الجنف بالوصيّة بغير ما أمر الله (١) ، أو في ما لا يرضى الله به(٢).
﴿أَوْ﴾ خاف ﴿إِثْماً﴾ من الموصي في وصيّته ، كأن أوصى بمعصيته من عمارة بيوت النّيران ، أو تشييد الكفر ، أو ترويج الباطل.
﴿فَأَصْلَحَ﴾ الوصيّ ﴿بَيْنَهُمْ﴾ قيل : يعني بين الموصى له وورثة الموصي (٣) ، بأن يردّ الوصيّة إلى الحقّ والجائز وبدّلها إلى ما هو الصّواب ﴿فَلا إِثْمَ﴾ ولا وزر ﴿عَلَيْهِ﴾ في هذا التّغيير والتّبديل ، لأنّه تبديل الباطل بالحقّ.
﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ للعصاة ﴿رَحِيمٌ﴾ بالعباد. قيل : ذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم وكون الفعل من جنس ما يؤثم به (٤) . وفي هذا التذييل وعد للمصلح بالثّواب والرّحمة.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ
لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ
وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (١٨٥)﴾
ثمّ عاد سبحانه إلى بيان الأحكام العباديّة ، وذكر حكم الصّوم الذي هو من أفاضل العبادات بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وفي تخصيص الخطاب بالمؤمنين مع عدم اختصاص الحكم بهم ، تهييج المكلّفين على العمل ، لأنّ في ذكر هذا الوصف تشريف وإكرام وإشعار بأنّ القيام بأداء التّكاليف من وظائف الايمان ولوازمه ، وإشارة إلى اختصاص التّكليف بالبالغين العاقلين دون الصّغار والمجانين. ولمّا كان في هذا التّكليف مشقّة على النّفوس ، وجّه إليهم الخطاب بكلمة النداء كي يهون عليهم
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٦٥.
(٢) تفسير العياشي ١ : ١٨٢ / ٢٧٨.
(٣) تفسير ابن عبّاس : ٢٥.
(٤) تفسير أبي السعود ١ : ١٩٨.