فقال : الدّليل عليه قول يونس في بطن الحوت : ﴿لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾(١) . فتعجّب منه النّاظرون ، فالتمس صاحب الضّيافة بيانه.
فقال الإمام (٢) : هاهنا فقير مديون بألف درهم ، أدّ عنه دينه حتّى أبيّنه. فقبل صاحب الضّيافة دينه ، فقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا ذهب في المعراج إلى ما شاء الله من العلى ، قال : « ربّ لا احصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك » ولمّا ابتلي يونس عليهالسلام بالظّلمات في قعر البحر ببطن الحوت ، قال : ﴿لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فكلّ منهما خاطبه بقوله : ( أنت ) وهو خطاب الحضور ، فلو كان الله في مكان لما صحّ ذلك (٣) .
ثمّ قال الله تعالى تقريرا للقربة وترغيبا للعباد في دعائه : ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ واعطي ما سأله السائل ﴿إِذا دَعانِ﴾ وسألني حاجته باللّسان والقلب في السّرّ والجهر. ومن الواضح أنّه إذا لم يخالف إجابته القضاء المبرم ولم يكن في إسعاف حوائجهم مفسدة في دينهم ودنياهم.
فإذا كنت مجيبا لدعائهم ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ وليبادروا إلى إجابة دعائي إلى الإيمان والأعمال الصّالحة ، فكأنّه تعالى قال : أنا مع غنائي عنكم اجيب دعاءكم ، فأنتم مع نهاية حاجتكم إليّ في جميع اموركم أحقّ وأولى بإجابة دعائي.
ثمّ بيّن استجابتهم الواجبة (٤) بقوله : ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ فكأنّه قال : إجابة دعائي الإيمان بوحدانيّتي وبرسولي بجميع ما جاء به.
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ معناه ليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه » (٥) .
﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ ويصيبون الحقّ ويهتدون إليه ، ويمكن أن يكون من وجوه نظم الآية أنّ من وظائف الصّائم الدّعاء ، كما روي أنّ دعوة الصّائم لا تردّ (٦) .
في بيان بعض موجبات عدم استجابة الدعاء
روي أنّ الصادق عليهالسلام قرأ : ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ﴾(٧) فسئل : ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ فقال : « لأنّكم تدعون من لا تعرفون ، وتسألون ما لا تفهمون فالاضطرار
__________________
(١) الأنبياء : ٢١ / ٨٧.
(٢) في النسخة : فقال فخر ، وما أثبتناه من روح البيان ، إذ المراد إمام الحرمين لا الفخر الرازي.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٥.
(٤) في النسخة : الواجب.
(٥) مجمع البيان ٢ : ٥٠٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٠٤.
(٦) عدة الداعي : ١٢٨ ، بحار الأنوار ٩٦ : ٢٥٦ / ٣٦.
(٧) النمل : ٢٧ / ٦٢.