في منع الملازمة بين إباحة الجماع في الليل وإباحة الاصباح جنبا
وعن بعض العامّة : أنّ الآية دالّة على صحّة صوم من أصبح جنبا ، حيث إنّ ( حتى ) غاية لجواز المباشرة والأكل والشرب إلى طلوع الفجر ، وجواز تأخير الغسل إلى الصّبح لازم إباحة المباشرة في الزّمان المتّصل بالصّبح (١) .
وفيه منع الملازمة ، فإنّ حرمة الإصباح جنبا لا ينافي جواز المباشرة قبل الفجر ، لأنّه إذا باشر قبل الصّبح لم يرتكب حراما من حيث تلك المباشرة ، بل بالإصباح جنبا.
والحاصل : أنّه لو دلّ الدّليل على مفطّريّة الإصباح جنبا ، لا يعارضه ظهور الآية ، بل الآية ساكتة عن مفطريّة البقاء على الجنابة نفيا وإثباتا.
﴿ثُمَّ أَتِمُّوا﴾ وأديموا ﴿الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ فإنّ أوّله آخر وقته ، ويعلم بزوال الحمرة المشرقيّة عن قمّة الرأس.
ثمّ بعد بيان حرمة مباشرة النّساء في زمان الصّيام ، بيّن حرمتها في حال الاعتكاف بقوله : ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَ﴾ ليلا ونهارا بالجماع ومقدّماته ﴿وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ﴾ ومقيمون بقصد العبادة المعهودة ﴿فِي الْمَساجِدِ﴾ عموما على قول ، وفي كلّ مسجد جامع على قول آخر ، أو خصوص مسجد جمع فيه النبيّ صلىاللهعليهوآله أو الوصيّ جمعة أو جماعة على قول ثالث ، فإن باشر أحد في حال الاعتكاف ليلا أو نهارا يبطل على ما ذهب إليه بعض الأصحاب.
ثمّ بالغ في الرّدع عن مخالفة أحكامه بقوله : ﴿تِلْكَ﴾ الأحكام ﴿حُدُودُ اللهِ﴾ وحرماته ﴿فَلا تَقْرَبُوها﴾ فإنّ النّهي عن القرب أبلغ في التّحريم من النّهي عن المخالفة.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ، وإنّ حمى الله محارمه ، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه » (٢) .
﴿كَذلِكَ﴾ التّبيين والتّوضيح الذي لا يبقى الشكّ معه ﴿يُبَيِّنُ اللهُ﴾ ويوضح ﴿آياتِهِ﴾ وحججه على توحيده ونبوّة نبيّه وسائر أحكامه ﴿لِلنَّاسِ﴾ كافّة ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ عقابه ويحترزون عن مخالفته.
﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ
أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٥ : ١١٠ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٠٠
(٢) تفسير الرازي ٥ : ١١٥.