وفيه : أنّها معارضة برواية موسى بن بكر (١) ، عن أبي الحسن عليهالسلام : « من طلب هدا الرّزق من حلّه ليعود به [ على ] نفسه وعياله ، كان كالمجاهد في سبيل الله عزوجل ، فإن غلب عليه فليستدن على الله عزوجل وعلى رسوله ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه كان عليه وزره ، إنّ الله عزوجل يقول : ﴿إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ﴾ إلى قوله : ﴿وَالْغارِمِينَ﴾(٢) فهو فقير مسكين مغرم » (٣) ونحوه غيره ، والترجيح معه لتأيّده بإطلاق كثير من الرّوايات وفتاوى جلّ الأصحاب فلا بدّ من حمل الرّواية المانعة على نوع من الكراهة.
ثمّ لكمال شدّة حرمة إعطاء الأموال رشوة خصّه بالذكر مع دخوله في عموم النّهي السابق بقوله : ﴿وَتُدْلُوا بِها﴾ وتلقوها ﴿إِلَى الْحُكَّامِ﴾ والقضاة السّوء بعنوان الرّشوة ﴿لِتَأْكُلُوا﴾ بأحكامهم الباطلة والرّشوة والمصانعة ﴿فَرِيقاً﴾ وقسمة ﴿مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ﴾ ملابسا ﴿بِالْإِثْمِ﴾ والمعصية والظلم ، أو بسبب الإثم من اليمين الكاذبة.
﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنّكم مبطلون ظالمون ، ومن الواضح أنّ ارتكاب القبيح مع العلم بقبحه أقبح.
في حرمة الترافع عند قضاة الجور
عن القمي رحمهالله : قال العالم عليهالسلام : « قد علم الله أنّه قد يكون حكّام يحكمون بغير الحقّ ، فنهى أن يتحاكموا (٤) إليهم ؛ لأنّهم لا يحكمون بالحقّ فتبطل الأموال » (٥) .
وقيل : إنّ المراد أن لا تلقوا أمر أموالكم والحكومة فيها إلى الحكّام لتأكلوا وتأخذوا باليمين الكاذبة وشهادة الزّور والصّلح - مع العلم بعدم الحقّ - طائفة من أموال النّاس عصيانا وظلما ، فعلى هذا يكون المراد من الحكّام عموم القضاة ، والنّهي راجع إلى أخذ أموال النّاس بالدّعوى الباطلة.
عن ( العيّاشي ) عن الرّضا عليهالسلام أنّه كتب في تفسيرها : « إنّ الحكّام القضاة » ثمّ كتب تحته : « هو أن يعلم الرّجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي ، فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له [ به ] إذا كان قد علم أنّه ظالم » (٦) .
﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ
__________________
(١) في النسخة : موسى بن بكير ، راجع : معجم رجال الحديث ٩ : ٢٢.
(٢) التوبة : ٩٠ / ٦٠.
(٣) الكافي ٥ : ٩٣ / ٣.
(٤) في المصدر : يتحاكم.
(٥) تفسير القمي ١ : ٦٧.
(٦) تفسير العياشي ١ : ١٩١ / ٣١٢ ، التهذيب ٦ : ٢١٩ / ٥١٨.