وقيل في تأويل الآية : إنّه كان في الجاهليّة من همّ بسفر أو أمر يصنعه فمنع من ذلك ، لم يدخل داره من الباب حتّى يحصل له ذلك. وكانت قريش وقبائل العرب من خرج لسفر أو حاجة ثمّ رجع ولم يظفر بذلك ، كان ذلك طيرة ، فنهاهم الله عن ذلك ، وأخبر أنّ الطّيرة ليس ببرّ ، والبرّ [ برّ ] من توكّل على الله ولم يخف غيره (١) .
﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ
مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ
فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى
الظَّالِمِينَ (١٩٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا أمر بالتّقوى ، عقّبه بالأمر بأشدّ أقسامه وأشقّها على النّفوس ، وهو قتال أعداء الله ، بقوله : ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ولطلب مرضاته ، ونصرة نبيّه ، وإعزاز دينه.
روي أنّه سئل النبيّ صلىاللهعليهوآله عمّن يقاتل في سبيل الله ، فقال : « هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، ولا يقاتل رياء و[ لا ] سمعة » (٢) .
﴿الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾ من الكفّار. عن ( المجمع ) عنهم عليهمالسلام : « هي ناسخة لقوله تعالى : ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾(٣) .
وقيل : هذه الآية أوّل آية نزلت في القتال ، فلمّا نزلت كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقاتل من قاتله ويكفّ عن قتال من تركه ، وبقي على هذه الحالة إلى أن نزل قوله تعالى : اقتلوا ﴿الْمُشْرِكِينَ﴾(٤) .
وقيل : إنّه لمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الحديبية وعاد إلى المدينة ، ثمّ تجهّز في السّنة القابلة ، خاف أصحابه أن لا يفوا قريش بالعهد ويصدّوهم ويقاتلوهم ، وكانوا كارهين لمقاتلتهم في الشّهر الحرام
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٣٠٤.
(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٢٨.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٥١٠ ، والآية من سورة النساء : ٤ / ٧٧.
(٤) تفسير الرازي ٥ : ١٢٧ ، والآية من سورة التوبة : ٩ / ٥.