في الحرم ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، وبيّن لهم كيفيّة المقاتلة إلى أن احتاجوا إليها ، فقال : ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾(١) .
﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾ بابتداء القتال في الحرم محرمين ، وبقتل الصّبية والنّساء ، وبالمثلة ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ ولا يريد بهم خيرا.
ثمّ شدّد سبحانه في قتال مشركي قريش بقوله : ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ وفي أيّ مكان من الحلّ أو الحرم وجدتموهم.
روي عنهم عليهمالسلام : « أنّها ناسخة لقوله تعالى : ﴿وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ﴾(٢) .
﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ أي من مكّة ، وقد فعل صلىاللهعليهوآله بمن لم يسلم من كفّار قريش يوم الفتح.
وروي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أجلى كلّ مشرك من الحرم. ثمّ أجلاهم من المدينة ومن جزيرة العرب ، وقال : « لا يجتمع دينان في جزيرة العرب » (٣) .
ثمّ أنّه روي أنّ بعض الصحابة كان قتل رجلا من الكفّار في الشّهر الحرام فعابه المؤمنون على ذلك فنزلت (٤) .
﴿وَالْفِتْنَةُ﴾ وهي محنة الإخراج وجلاء الوطن (٥) . وقيل : هي الشّرك (٦) وصدّهم المسلمين عن الحرم ﴿أَشَدُّ﴾ وأصعب ﴿مِنَ الْقَتْلِ﴾ لدوام تعبها وبقاء ألم النّفس بها.
سئل بعض الحكماء : أيّ شيء أشدّ من الموت ؟ قال : الذي يتمنّى فيه الموت (٧) .
وقيل : إنّ المشركين كانوا يستعظمون القتل في الحرم ، ويعيبون المسلمين به ، فردّ الله عليهم بأنّ الكفر والشّرك بالله في الحرم أشدّ قبحا من القتل (٨) .
ثمّ بيّن الله تعالى أنّ شرط جواز القتال في الحرم أن يكون بعنوان الدّفاع ، بقوله : ﴿وَلا تُقاتِلُوهُمْ﴾ بادين به ﴿عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ ولا تهتكوا بالقتال فيه حرمته ﴿حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ ويبادروا إلى
__________________
(١) تفسير الرازي ٥ : ١٢٧.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٥١٠ ، والآية من سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٨.
(٣) تفسير الرازي ٥ : ١٣٠.
(٤) مجمع البيان ٢ : ٥١١ ، تفسير الرازي ٥ : ١٣٠.
(٥) كذا ، والظاهر : والجلاء من الوطن.
(٦) تفسير البيضاوي ١ : ١٠٩.
(٧) تفسير روح البيان ١ : ٣٠٦.
(٨) الكشاف ١ : ٢٣٦.