فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤)
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما رخّص المسلمين في قتال المشركين في الحرم دفاعا ؛ رخّصهم فيه في الأشهر الحرم قصاصا ، بقوله : ﴿الشَّهْرُ الْحَرامُ﴾ يقابل ﴿بِالشَّهْرِ الْحَرامِ﴾ فلا تبالوا بهتكه بإزاء هتك المشركين إيّاه.
روي : أنّ المشركين قاتلوا المسلمين في عام الحديبية في ذي القعدة (١) . ونقل أنّ بعد صدّ المشركين المسلمين ، وقع بينهم ترام بسهام وحجارة ، ولمّا اتّفق خروج المسلمين لعمرة القضاء في ذلك الشّهر كرهوا أن يقاتلوهم ، فنزلت الآية (٢) .
ثمّ عمّم حكم القصاص بقوله : ﴿وَالْحُرُماتُ﴾ وجميع الامور التي يجب رعاية حرمتها ، يجري فيها ﴿قِصاصٌ﴾ وحكم المعاملة بالمثل ، فإن صدّكم المشركون عن دخول الحرم عنوة فادخلوا أنتم عليهم عنوه ، وإن قاتلوكم في الحرم وفي الشّهر الحرام فقاتلوهم ، حيث إنّ الحرمات لا تراعى في حقّ من لا يراعيها.
عن ( التهذيب ) و( العياشي ) : أنّه سئل عن المشركين أيبتدئهم المسلمون في القتال في الشّهر الحرام ؟ فقال : « إذا كان المشركون ابتدؤوهم باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنّهم يظهرون عليهم فيه ، وذلك قوله تعالى : ﴿الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ﴾(٣) .
ثمّ أنّه تعالى لتقرير ما بيّنه من الحكم ذكر فذلكة له بقوله : ﴿فَمَنِ اعْتَدى﴾ وتجاوز عليكم نفسا أو عرضا أو مالا ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ وعاقبوه ﴿بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ من الجناية ، ولا تتجاوزوا عن الحدّ المرخّص فيه.
عن الصادق عليهالسلام في رجل قتل رجلا في الحرم ، وسرق في الحرم ، فقال : « يقام عليه الحدّ [ في الحرم ] صاغرا ، إنّه (٤) لم ير للحرم حرمة ، وقد قال الله تعالى : ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ٢١٠.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٣٠٧.
(٣) التهذيب ٦ : ١٤٢ / ٢٤٣ ، تفسير العيّاشي ١ : ١٩٣ / ٣٢١.
(٤) في النسخة : وصغار له ، لأنه.