وهذا التّرخيص والتّخيير ثابت ﴿لِمَنِ اتَّقى﴾ الله عزوجل. روي عن الباقر والصادق عليهماالسلام قال : « لمن اتّقى الصّيد - يعني في إحرامه - فإن أصابه لم يكن له أن ينصرف (١) في النّفر الأوّل » (٢) .
وعن الباقر عليهالسلام : « لمن اتّقى منهم الصّيد ، واتّقى الرّفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه » (٣) .
والحاصل : أنّ التّخيير ليس مطلقا بالنسبة إلى كلّ حاجّ ، بل هو لمن اتّقى. واختلف فيه على قولين : الأول : من اتّقى الصّيد والنساء في إحرامه.
والثاني : من اتّقى سائر المحرّمات في الإحرام (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام : « اتّقى الكبر ، وهو أن يجهل الحقّ ويطعن على أهله » (٥) .
عن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية ، قال : « أنتم والله هم ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : لا يثبت على ولاية عليّ عليهالسلام إلّا المتّقون » (٦) .
﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ أيّها الحاجّ المغفور لهم ذنوبهم ، قلا تعاودوا الموبقات فتعود إليكم أثقالكم ، فإنّ السيّئات تذهب بالحسنات ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فيجازيكم بما تعملون.
قيل : كانوا إذا رجعوا من الحجّ يجترئوون على الله بالمعاصي ، فشدّد في تحذيرهم (٧) .
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ
وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ
وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ
فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا أمر النّاس بالتّقوى ، وكانت حقيقته هو اليقين بالله واليوم الآخر ، والخوف الكامن في القلب ، الباعث على العمل بإخلاص النيّة وصميم القلب ، ذكر حال المنافقين المظهرين للإيمان
__________________
(١) في التهذيب والصافي : ينفر.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٣ ، وتفسير الصافي ١ : ٢١٩ عن الصادق عليهالسلام.
(٣) تفسير العياشي ١ : ٢١٠ / ٣٨٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٩.
(٤) كنز العرفان ١ : ٣٢٠ / ٤.
(٥) تفسير الصافي ١ : ٢٢٠.
(٦) تفسير العياشي ١ : ٢١١ / ٣٨٩.
(٧) تفسير روح البيان ١ : ٣٢١.