وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : ﴿« وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ بظلمه وسوء سيرته » (١) الخبر ، ويحتمل كون المراد أنّ الظلم موجب لانقطاع الرّحمة وارتفاع البركة.
وعن الصادق عليهالسلام : « الحرث في هذا الموضع الدّين ، والنّسل : النّاس » (٢) .
﴿وَاللهُ لا يُحِبُ﴾ ولا يريد بالإرادة التّشريعيّة ﴿الْفَسادَ﴾ في الآفاق والأنفس ، أو لا يريد بالإرادة التّكوينيّة والتّشريعيّة الفساد المحض الذي لا يشوبه صلاح.
﴿وَإِذا قِيلَ لَهُ﴾ عظة ونصحا ﴿اتَّقِ اللهَ﴾ وخف عذابه ، واترك الفساد ، واحذر سوء عاقبته ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ﴾ والأنفة ﴿بِالْإِثْمِ﴾ وحملته عليه لجاجا ﴿فَحَسْبُهُ﴾ وكافيه ﴿جَهَنَّمُ﴾ جزاء ونكالا على سوء فعاله ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهادُ﴾ والفراش الممهّد والمستقرّ المؤبّد هي.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا بيّن حال المنافق الذي باع دينه بدنياه ، عقّبه بذكر حال المؤمن المخلص الذي باع دنياه بدينه ، بقوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ المؤمنين ﴿مَنْ يَشْرِي﴾ ويبيع ﴿نَفْسَهُ﴾ من الله ﴿ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ﴾ ويبذل شراشر وجوده (٣) في سبيل الله ، وطلبا لرضوانه ﴿وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ المؤمنين ، يدفع عنهم كلّ ضرّ ، وينزل عليهم بكلّ خير.
عن ( تفسير الإمام عليهالسلام ) : « هؤلاء خيار أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله عذّبهم أهل مكّة ليضلّوهم عن دينهم ، فمنهم بلال وصهيب وخبّاب وعمّار بن ياسر وأبواه » (٤) .
وعن ابن عبّاس : أنّ هذه الآية نزلت في صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان (٥) ، وفي عمّار بن ياسر ، وفي سميّة امّه ، وفي ياسر أبيه ، وفي بلال مولى أبي بكر ، وفي خبّاب بن الأرتّ ، وفي عابس مولى حويطب ، أخذهم المشركون فعذّبوهم ، فأمّا صهيب فقال لأهل مكة : إنّي شيخ كبير ، ولي مال ومتاع ، ولا يضرّكم كنت منكم أو من عدوّكم ، تكلّمت بكلام وأنا أكره أن أنزل عنه ، وأنا اعطيكم مالي
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٢١١ / ٣٩٤ ، الكافي ٨ : ٢٨٩ / ٤٣٥.
(٢) تفسير القمي ١ : ٧١ ، مجمع البيان ٢ : ٥٣٤.
(٣) أي جميع وجوده وكيانه ، والشراشر : أطراف الأجنحة ، والجسم بجملته ويقال : ألقى عليه شراشره ، أي اعباءه وهمومه ، أو ألقى عليه نفسه حرصا ومحبّة.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٢١ / ٣٦٥.
(٥) في النسخة : عبد الله بن صرحان.