بن مسعود ، وعمّار ، وخبّاب ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعامر بن فهيرة ، وأبي عبيدة بن الجرّاح ، بسبب ما كانوا فيه من الفقر والضّر ، والصّبر على أنواع البلاء ، مع أنّ الكفّار كانوا في النّعم والرّاحة (١) .
وقيل : نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم من بني قريظة والنّضير والقينقاع ، سخروا من فقراء المسلمين المهاجرين حيث اخرجوا من ديارهم وأموالهم (٢) .
وقيل : نزلت في المنافقين عبد الله بن ابيّ وأصحابه ، كانوا يسخرون من ضعفاء المسلمين و[ فقراء ] المهاجرين (٣) .
أقول : ويمكن القول بنزولها في جميعهم.
﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ واجتنبوا مخالفة أحكام الله من المؤمنين ﴿فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ لأنّ المتّقين في أعلى علّيّين والدّرجة الرفيعة من الجنان ، والساخرين في أسفل السّافلين من النّار وحضيض الذلّة والهوان. ويحتمل أن يكون تفوّقهم من حيث السّخرية ، فإنّ سخرية المؤمنين في القيامة فوق سخرية الكفّار في الدنيا.
ثمّ أنّه لمّا كان للكفّار أن يقولوا : اذا كان المؤمنون المتّقون أكرم عند الله فلم يعيشون في الشدّة والفقر ؟ فردّهم بقوله : ﴿وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ﴾ من خلقه في الدّنيا ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ وتقدير ، فيوسّع استدراجا تارة ، وابتلاء اخرى ، أو المراد أنّ رزق الدّنيا قليل ، ويرزق في الآخرة من يشاء من عباده بغير حساب وينعّم المؤمنين في الجنّة بلا إحصاء.
﴿كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ
الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ
الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى أنّ هذه المعاندة والمشاقّة مع الأنبياء ليست ممّا حدث في هذا الأوان أو بعد موسى ، بل كانت من قديم الزّمان قبل نوح وبعد آدم ، بقوله : ﴿كانَ النَّاسُ﴾ جميعهم في أوّل الأمر بعد وفاة آدم ﴿أُمَّةً واحِدَةً﴾ وجماعة مجتمعين على الجهل ، لا يدرون ما الإيمان وما الكفر وما
__________________
(١) تفسير الرازي ٦ : ٥.
(٢ و٣) . تفسير الرازي ٦ : ٥.