بهم المحنة إلى الغاية والضّرّ والبؤس إلى هذه الدّرجة العظيمة ، قيل لهم : ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾
والحاصل : أنّ المؤمنين الذين خلوا ، كانوا في هذه المرتبة من البلاء والمحن ، وصبروا ولم يتغيّر دينهم حتّى أتاهم النّصر والفرج ، فكونوا أيّها المسلمون كذلك.
روي أنّه صلىاللهعليهوآله قال : « حفّت الجنّة بالمكاره ، وحفّت النّار بالشّهوات » (١) .
وروي عن خبّاب بن الأرتّ ، قال : شكونا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ما نلقى من المشركين ، فقال : « إنّ من كان قبلكم من الامم كانوا يعذّبون بأنواع البلاء ، فلم يصرفهم ذلك عن دينهم ، حتّى أنّ الرّجل يوضع على رأسه المنشار فيشقّ فلقتين ، ويمشّط الرّجل بأمشاط الحديد فيما دون العظم من اللّحم والعصب ، وما يصرفه ذلك عن دينه ، وايم الله ليتمّنّ هذا الأمر حتّى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنّكم تعجلون » (٢) .
وعن ابن عبّاس : لمّا دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة اشتدّ الضّرر عليهم ، لأنّهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم في أيدي المشركين ، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوآله فأنزل الله تطييبا لقلوبهم ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾(٣) .
وقيل : إنّها نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والحزن ، وكان كما قال سبحانه : ﴿بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ﴾(٤) .
وقيل : نزلت في حرب احد لمّا قال عبد الله بن ابيّ لأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله : إلى متى تقتلون أنفسكم وترجون الباطل ؟ ولو كان محمّد [ نبيا ] لما سلّط الله عليكم الأسر والقتل ، فأنزل الله هذه الآية (٥) . ويمكن الجمع بينهما بالقول بتكرّر النزول.
﴿يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى
وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ الصّبر على الضّراء من وظائف الإيمان ، وكان الإنفاق في سبيل الله أيضا من وظائف الإيمان ، حكى الله تعالى سؤال المؤمنين عن خصوصيّاته بعد حثّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله :
__________________
(١) نهج البلاغة : ٢٥١ الخطبة ١٧٦.
(٢) تفسير الرازي ٦ : ٢٠.
(٣) تفسير الرازي ٦ : ١٩.
(٤) تفسير الرازي ٦ : ١٩ ، والآية من سورة الأحزاب : ٣٣ / ١٠.
(٥) تفسير الرازي ٦ : ١٩.