﴿يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ﴾
عن ابن عبّاس : أنّ الآية نزلت في عمرو بن الجموح وكان شيخا كبيرا هرما ، وهو الذي قتل يوم احد وعنده مال عظيم ، فقال : ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها ؟ فنزلت هذه الآية (١) . فأجاب الله عن السؤالين بقوله : ﴿قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ أيّ خير كان ﴿فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ وقد مرّ تفسير جميعها ووجه ترتيبها (٢) .
وعن ابن عبّاس : نزلت هذه الآية في رجل أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : إنّ لي دينارا. فقال : « أنفقه على نفسك » قال : إنّ لي دينارين ، قال : « أنفقهما على أهلك » قال : إنّ لي ثلاثة. قال : « أنفقها على خادمك » . قال : إنّ لي أربعة ؟ قال : « أنفقها على والديك » . قال : إنّ لي خمسة. قال : « أنفقها على قرابتك » . قال : إنّ لي ستّة. قال : « أنفقها في سبيل الله ، وهو أحسنها » (٣) .
وعدم التعرّض في الآية للسائلين وفي الرّقاب لعلّه لدخولها تحت عموم قوله : ﴿وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ فإنّه عامّ لكلّ ما فيه مرضاة الله من العبادات والصّدقات ، وفي قوله : ﴿فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ وعد بالثّواب العظيم.
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦)﴾
ثمّ أنّه سبحانه بعد التّرغيب في الإنفاق في سبيل الله - الذي هو الجهاد بالأموال - حثّ على الجهاد بالأنفس.
قيل : لم يكن النبيّ صلىاللهعليهوآله مأذونا في القتال مدّة إقامته في مكّة ، فلمّا هاجر إلى المدينة اذن له في قتال من يقاتله من المشركين ، ثمّ اذن له في قتال عامّتهم ، وفرض الله عليه الجهاد (٤) بقوله : ﴿كُتِبَ﴾ وفرض ﴿عَلَيْكُمُ الْقِتالُ﴾ مع الكفّار ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ غير ملائم لطباعكم البشريّة ، لأنّ فيه الإقدام على بذل المهج وتحمّل المشاقّ ، وخطر الرّوح ، وإن كان المؤمن بعد أمر الله يحبّه ويشتاق إليه على خلاف الطبيعة ، وإطلاق الكره للمبالغة وهو بمعنى المكروه.
__________________
(١) تفسير الرازي ٦ : ٢٣.
(٢) الآية (١٧٧) من هذه السورة.
(٣) تفسير الرازي ٦ : ٢٢.
(٤) تفسير الرازي ٦ : ٢٦.