لعباده إذا كان في التّيمّم بالتّراب مصلحة مقتضية لبدليّته عن الوضوء في تلك الحال ، ففي صورة عدم وجدان الماء لم يكلّفنا الله بتحصيل الماء وتحمّل المشقّة والحرج له ، بل اكتفى بعمل الطّهور السّهل الذي لا مشقّة فيه ، وهو التيمّم بالتّراب.
﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ
وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ
الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (٢١٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا أمر بالقتال وأوجبه ، سأل الكفّار عن حكمه في الأشهر الحرم ، فحكى الله ذلك السؤال توطئة لجوابه بقوله : ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ﴾ عن ﴿قِتالٍ فِيهِ﴾ وقيل : إنّ السائلين هم المسلمون ، وكان السؤال بعد واقعة عبد الله بن جحش الأسدي ، وهو ابن عمّة رسول الله صلىاللهعليهوآله (١) .
عن ابن عبّاس رحمهالله أنّه قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بعث عبد الله بن جحش قبل قتال بدر بشهرين ، وبعد سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة في ثمانية رهط ، وكتب له كتابا وعهدا دفعه إليه وأمره أن يفتحه بعد منزلتين ، ويقرأه على أصحابه ويعمل بما فيه ، فإذا فيه : « أمّا بعد ، فسر على بركة الله بمن اتّبعك حتّى تنزل بطن نخل فترصد بها عير قريش لعلّك أن تأتينا منه بخير » .
فقال عبد الله : سمعا وطاعة لأمره ، فقال لأصحابه : من أحبّ منكم الشّهادة فلينطلق معي فإنّي ماض لأمره ، ومن أحبّ التخلّف فليتخلّف ، فمضى حتّى بلغ بطن نخل بين مكّة والطّائف. فمرّ عليهم عمرو بن الحضرمي وثلاثة معه ، فلمّا رأوا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله حلقوا رأس واحد منهم وأوهموا بذلك أنّهم قوم عمّار (٢) ، ثمّ أتى واقد بن عبد الله الحنظليّ - وهو أحد من كان مع عبد الله بن جحش - ورمى عمرو بن الحضرمي فقتله ، وأسروا اثنين وساقوا العير بما فيه حتّى قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) مجمع البيان ٢ : ٥٥١.
(٢) أي قادمون للعمرة.